IMLebanon

موقف روسيا من عودة العلاقات اللبنانية – الخليجية

يستمرّ لبنان، منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، في انتهاج سياسة تصحيحية مع الدول المجاورة، بعد موجة الاضطرابات التي شهدتها السياسة الخارجية في المراحل الماضية نتيجة غياب رأس الدولة ودخول البلاد في الفلتان على المستويات كافة.

وإذا كانت الديبلوماسية تُعتبر من أدقّ الملفات بالنسبة الى لبنان نظراً لارتباط العوامل الداخلية بالخارج، فانّ «ميزان الجوهرجي» هو الأساس في أيّ تحرّك يجب أن يحصل في المرحلة المقبلة نظراً لحساسية الأوضاع الإقليمية، وكذلك لأنّ خريطة الشرق الأوسط والعالم تُرسَم مجدداً.

فيما التحوّلات الكبيرة التي تحدث قدّ تؤثّر في بلد صغير مثل لبنان، تتقاسمه الطوائف والمذاهب، وتلعب به الرياح الخارجية، ويعاني اقتصادياً أزمة قدّ تنفجر في أيّ وقت.

دخلت روسيا أخيراً كلاعب شبه وحيد في سياسات المنطقة، ويعود ذلك الى انسحاب الأميركيين من الساحة نتيجة سياسات الرئيس السابق باراك أوباما، إضافة الى فرض هدير طائرات «السوخوي» في السماء السورية إيقاعها على ملفات المنطقة أجمع.

ويطرح على الساحة اللبنانية طريقة تعاطي موسكو مع لبنان في المرحلة المقبلة، وهل ستجذبه الى صفّها وسط الاستقطاب الكبير الذي سَبّبته الأزمة السورية. فهل ستتغيّر السياسة الروسية تجاه لبنان بعد وصول الجمهوري دونالد ترامب الى الحكم؟ أو اننا سنعود لنعيش مرحلة الاستقطاب التي كانت أيام «الحرب الباردة» بين المحور الشرقي بقيادة الإتحاد السوفياتي وبين محور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية؟

لا يملك أحد أجوبة واضحة عن هذه الأسئلة الكبرى، خصوصاً أنّ ترامب بدأ عهده بسلسلة مفاجآت من المحتمل أن تستمرّ، لكنّ الواضح كما يؤكّد زوار موسكو لـ«الجمهورية» أنّ سياسة روسيا تجاه لبنان لن تتغيّر.

وفي السياق تعتبر روسيا أنّ وضعية لبنان الأخيرة بعد انتخاب عون ثابتة، وهذا ما كانت تطمح إليه. وهذا الأمر يظهر من خلال تأكيدات المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق ميخائيل بوغدانوف على متانة العلاقات بين البلدين. كذلك، إنّ مقارنة لبنان بوضع المنطقة، يدلّ الى أنّ هذا البلد يعيش في «نعيم» يظهر جَليّاً من خلال الأمن والاستقرار الموجودين في ربوعه.

ومن وجهة نظر موسكو، فإنّ لبنان يشكّل صيغة فريدة اكتملت معالمها بعد عودة الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الى تأدية دوره، وهذا يشكّل صمّام أمان للتنوّع. وموسكو يهمّها أيضاً الحفاظ على الوجود المسيحي لأنّ هذا الأمر يساعد على تقريب وجهات النظر في المنطقة، خصوصاً مع تصاعد حدّة الخلاف السني – الشيعي، وتفجّره حروباً على امتداد المنطقة.

لا يستطيع أحد أن يتغاضى عن الاصطفافات التي سبّبتها الحرب السورية، وتتمثّل بالمحور العربي الذي يدعم المعارضة في وجه المحور الإيراني- الروسي (على رغم الاختلافات بينهما) الذي سانَدَ النظام. لذلك، كان من المفترض أن تشكّل زيارة عون للخليج استفزازاً لموسكو، لكنّ هذا الأمر لم يحدث، إذ يشدّد زوّار موسكو على انّ «روسيا رحّبت بالزيارة وبإعادة وصل ما انقطع من علاقات بين لبنان ودول الخليج والدول العربية، وأنّ أبواب موسكو مفتوحة أمام زيارة عون إليها ساعة يشاء».

وتعتبر موسكو أنّ «لبنان لا يستطيع أن يعيش في جزيرة معزولة، وقدرته على الإتصال مع كل الدول تؤهّله لتأدية دور مستقبلي عندما تنضج التسوية. وبالتالي، فإنّ لبنان لا يستطيع أن يَنحاز الى محور ضدّ آخر لأنّ التركيبة اللبنانية دقيقة، بل إنّ الأولوية الآن لإعادة إطلاق عجلة المؤسسات وكل ما من شأنه إعادة الوضع الى سابق عهده.

لا ينكر المسؤولون الروس دورهم في إنضاج التسوية اللبنانية، لكنهم في المقابل يؤكّدون أنهم لا يتدخّلون في التفاصيل الداخلية لأنّ المشهد العام يهمّهم فقط. وهم وإن كانوا يدعون الى إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، إلّا أنهم يعتبرون أنّ التأجيل التقني أو إقرار قانون انتخاب جديد هو مسألة لبنانية تُحلّ في الداخل ولا دخل للدول الخارجية فيها.

تتحاور معظم الدول بعضها مع بعض حتّى في أشدّ مراحل العداوات، من هنا فإنّ لبنان لا يستطيع أن يتّخذ موقفاً معادياً للدول الكبرى مهما كان دورها في الملفات الخارجيّة. وبالتالي، إنّ تجربة المحاور السابقة، التي أشعلت لبنان مراراً وتكراراً تحت عناوين عدّة، يجب أن تكون عبرة استفاد منها من يُؤتَمن حالياً على سياسات البلد.