IMLebanon

الحريري out: إنقلاب هادئ… أم عاصف؟

 

 

خرج سعد الحريري من الحياة السياسية اللبنانية. وصف خروجه بـ»التعليق»، لا «الإنهاء» أي أنّه قد يعود عنه في أي لحظة. ولكن هذه اللحظة ليست بيده ولا هو قادر على تحديدها. لذا بدا بيانه الأخير أشبه بالوداع الذي انهاه باكياً. قرار مفصليّ، ستكون تداعياته متدحرجة على المستوى الداخلي، لتصبح مرحلة ما بعده مغايرة كلياً لمرحلة ما قبله.

 

اختصر رئيس «تيار المستقبل» أسباب «تعليقه» العمل السياسي، بأنّه «لا مجال لأيّ فرصة إيجابيّة للبنان، في ظلّ النّفوذ الإيراني والتخبّط الدّولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة»، مركّزاً على الحرب الأهلية التي «نجح في منعها»، ما فَرض عليه تسويات، من احتواء تداعيات 7 أيّار، إلى اتفاق الدوحة، إلى زيارة دمشق، إلى انتخاب ميشال عون رئيساً، إلى قانون الانتخابات… ولو أنّ هذه المقاربة فيها الكثير من المغالاة التي تفتقد إلى الواقعية، كون الإدارة السياسية المحلية غير مرتبطة بأي قرارات استراتيجية، وبالتالي لا يمكن تعليق كل مبررات سوء إدارته الداخلية على خشبة منع الحرب الأهلية.

 

لعل أكثر ما تعلّمه الحريري من تجربته السياسية، بحلاوتها ومرّها، هو إحاطة حركته بالكثير من الغموض والكتمان، بعدما فقد الرجل ثقته بمن حوله. وقد يكون هذا السلوك نوعاً من التقلبات المزاجية التي تدفعه إلى تغيير رأيه بين ليلة وضحاها. فبعض المعلومات كانت تشير إلى أنّ رئيس «تيار المستقبل» سيصل مطار رفيق الحريري في الثالث من كانون الثاني الماضي ليبلغ ما عنده لأعضاء «كتلة المستقبل» وبعض حلفائه، عاد وعدل عن رأيه من دون الافصاح عن الأسباب التي أملت عليه تحديد ذلك التاريخ، ومن ثم الغاءه… واذ بالموعد يقفز حتى العشرين من كانون الثاني.

 

وقبل أن يبدأ رئيس «تيار المستقبل» جولته، كان بعض من يعرفونه، يسطّرون سلفاً ما قد يبوح به لمن سيلتقيهم: الرجل كتب بيان عزوفه عن المشاركة في الاستحقاق النيابي منذ أسابيع، وما عودته إلى بيروت إلا من باب ابلاغ المعنيين بقراره النهائي. ولهذا رفض الامتثال لمحاولات الاستعراض التعاطفي والتضامني في الشارع التي قادها بعض نواب «المستقبل» والتي بدت كأنها محاولة لدفعه إلى تبديل موقفه.

 

ولكن بمطلق الأحوال، فتح قرار الحريري الباب أمام سيناريوات كبيرة ستحملها تداعيات هذا الخروج، ولو أنّ المرحلة الجديدة ستحتاج إلى وقت قبل أن تتبلور بصورتها الكليّة، بعد التأكد من أنّ تعليق رئيس «تيار المستقبل» العمل بالحياة السياسية، لن يكون «تفجيرياً»، بمعنى نسف الانتخابات النيابية عن «بكرة أبيها» لرسم مشهدية مختلفة عن تلك السائدة راهناً.

 

في الواقع، ثمة احتمالان هما قيد التداول بين المعنيين:

 

الاحتمال الأول قد يقود إلى وقوع حجارة الدومينو الواحد تلو الآخر من خلال توالي اعلانات العزوف عن المشاركة في الاستحقاق النيابي، لا سيما من جانب القيادات الأساسية، تحت عنوان عدم ميثاقية الاستحقاق بحجة عدم مشاركة الفريق السنيّ الكبير، خصوصاً وأنّ من يرجّحون هذا السيناريو يعتقدون أنّ الهدف المرجو من اخراج الحريري عن المسرح السياسي، هو سحب الفريق السنيّ الذي رفض خوض مواجهة مع «حزب الله» من الواجهة، لا بل هو متهم بالتماهي معه في بعض المحطات. ولذا كان لا بدّ من نزع هذه الورقة من يد «حزب الله» في لحظات المخاض الاقليمي، بدليل تزامن اعلان الحريري مع «الكشف» عن دفتر شروط «المبادرة الكويتية». وقد تنتهي فصول هذا الاحتمال بالعمل على تأجيل الانتخابات النيابية ريثما تتضح الصورة في مفاوضات فيينا ليُبنى على الشيء مقتضاه.

 

الاحتمال الثاني هو أن يكتب كتاب التاريخ اللبناني صفحات جديدة قوامها خروج الحريري من الحياة السياسية، لتملأ «الطبيعة الفراغ» من خلال شخصيات سنية حريرية الانتماء أو قريبة منها، من دون اغفال سعي الخصوم للقضم من هذا الطبق. ولعل هذا ما حذر منه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي سارع إلى الإشارة إلى أنّ «القرار الذي اتخذ من قبل الرئيس الحريري يعني إطلاق يد «حزب الله» والإيرانيين في لبنان».

 

وهنا، يشير أحد المعنيين إلى أنّ قرار رئيس الحكومة السابق ستكون له تداعيات مباشرة على دائرتين انتخابيتين أساسيتين: دائرة بيروت الثالثة التي كان الحريري يقود معركتها، ودائرة صيدا حيث يفترض أن تلتزم النائبة بهية الحريري بقرار رئيس «التيار» وتبقى خارج دائرة الترشيحات. أما بقية الدوائر، فقد لا تشهد تغييرات انقلابية خصوصاً وأنّ الكثير من الوجوه الموجودة راهناً في البرلمان قد تعود إلى المشهدية الانتخابية تحت عنوان «الحريرية السياسية».