IMLebanon

خَرج الحريري أو أُخرِج.. فمن سيليه؟

 

 

أيكون الرئيس سعد الحريري هو الوحيد الذي خرج او أُخرِج من المعادلة السياسية؟ أم أنّ هناك من سيخرُج أو يُخرَج بعده من هذه المعادلة من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية في منتصف ايار المقبل، في إطار مخطّط ما اعدّه مخطّطون في غرف مغلقة تحت عنوان إقصاء ما أمكن من أركان المنظومة السياسية المشاركين في السلطة وغير المشاركين، لانّهم ما عادوا «صالحين للخدمة»، في رأي هؤلاء المخطّطين، كما في رأي شرائح واسعة من اللبنانيين، بعد الانهيار الذي أصاب البلاد في مصيرها السياسي كما في اقتصادها وماليتها ومعيشة شعبها؟

هذا السؤال يؤرق في هذه المرحلة كثيرين من قوى سياسية وسياسيين تعاقبوا على السلطة أو عارضوها حيناً، وشاركوا فيها احياناً منذ العام 1992 والى الآن، خصوصاً أنّ بعضهم ينظر بعين الشك والريبة في ان يكون خروج الحريري او إخراجه مقدّمة لخروج وإخراج آخرين، في ضوء التلويح الدولي بسيف عقوبات وفتح ملفات، قد يكون ما يُساق منها ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رأس جبل جليد فيها، فيما بدأت تُفتح داخلياً ملفات فساد لشركات وربما لاحقاً ستُفتح ملفات لسياسيين او لمحاسيب لهم، تحت جنح التدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان ولإدارات ومؤسسات عامة أخرى، يعشش الفساد فيها تراكمياً منذ عشرات السنين.

 

وفيما تدور تساؤلات عمّن سيلي الحريري خروجاً او إخراجاً من المعادلة السياسية، ينبري بعض السياسيين المنتمين الى المنظومة السياسية الى التنحّي «بطيبة خاطر» ظاهراً عن العمل السياسي لمصلحة ترشيح قريبين منهم لتعاطي الشأن العام. ويدرج المتابعون هذا «الزهد» المفاجئ بالكراسي لدى هؤلاء، في إطار رغبتهم الدفينة في «الهروب» من تحمّل المسؤولية عمّا حلّ بالبلاد، والذين كانوا مساهمين في صنعه بنحو او بآخر. علماً انّ بعض هؤلاء صمّوا آذان اللبنانيين على مدى سنين طويلة في هجماتهم على «الإقطاع السياسي» القديم ـ الجديد ودعواتهم الى القضاء عليه، ولكن ها هم يصنعون اليوم اقطاعاً سياسياً جديداً على قياسهم، مغلفينه بزهد بالكرسي والرغبة في إفساح المجال أمام الجيل الجديد الشاب لتولّي المسؤولية العامة، في اعتبار انّهم «أدّوا قسطهم الى العلى» وبات عليهم «التقاعد»، او التراجع الى الخطوط الخلفية واعتماد اسلوب التوجيه والإرشاد لخلفائهم، ما يعني انّهم يخرجون من المشهد عبر الباب ليعودوا إليه من النافذة..

 

بعض السياسيين يقول، انّ كل من هو قلق على مصيره في الانتخابات المقبلة، يتحسس رأسه الآن ويتمنّى تأجيلها، ويعمل بكل ما في وسعه لاستيلاد ظروف تفرض تأجيلها إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً. بل انّ الراغبين في هذا التأجيل ينتظر احدهم الآخر أن يخرج على اللبنانيين يوماً ويدعو علناً الى التمديد لمجلس النواب ليتجرأوا بعده على ان يحذوا حذوه، خصوصاً إذا طرح تبريراً لهذا التمديد من النوع «الميثاقي» إن لم يطرأ أي حدث «قاهر» يفرضه. علماً انّ كثيراً من «البوانتاجات» التي أجراها بعض القلقين من الاستحقاق النيابي على مستوى النتائج او على مستوى التحالفات، جاءت نتائجها سلبية او على الأقل غير مشجعة على خوض العملية الانتخابية. وقيل انّ «البوانتاجات» التي أجراها بعض العواصم الاقليمية والدولية حول ما يمكن ان تسفر عنها الانتخابات، أظهرت لها انّ نتائجها لن تغيّر كثيراً في ما هو عليه الواقع السائد حالياً، ولذلك، قد لا يضيرها بقاء واقع الحال على ما هو، وبالتالي استخدام التمديد للمجلس النيابي الحالي إن حصل، ذريعة للاستمرار في الحملات ضد الأكثرية النيابية الحالية بما تمثله من قوى سياسية وازنة ومؤثرة في اللعبة السياسية الداخلية، انتظاراً لما سيرسو عليه المشهد الاقليمي والدولي الذي أعاد الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا خلط الأوراق فيه، وطرح تساؤلات كبيرة حول ما سيكون عليه النظام العالمي الجديد، خصوصاً انّ عدم تدخّل الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية او على الاقل حلف «الناتو» لمساعدة اوكرانيا، أظهر حقيقة واضحة، وهي انّ لا أحد في العالم يرغب في خوض حروب، فالدول «المحبة» للحروب لا «تتمرجل» الّا على الدول الصغيرة والشعوب الضعيفة او المسالمة فقط.

 

ولذلك، بدأت الأوساط السياسية في ضوء الهجوم الروسي على اوكرانيا، تطرح السؤال عمّا بات عليه منسوب الاهتمام الاقليمي والدولي بالأوضاع في المنطقة عموماً وفي لبنان خصوصاً، وهل انّ الدعوات الدولية لإجراء الانتخابات النيابية لا تزال بالمستوى الصارم المعبّر عنه قبل حرب اوكرانيا، أم انّها تراجعت الى مرتبة خلفية ولم تعد ذي أهمية لدى العواصم التي تقف مذهولة امام الهجوم العسكري الروسي الصاعق على اوكرانيا، من دون ان تقوى على وقفه، مكتفية بفرض عقوبات يدرك الجميع انّها لن تغيّر ما خطّط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للوصول اليه الى ما بعد بعد اوكرانيا؟..

 

ولكن، بعيداً من هذا الواقع الدولي المستجد، ثمة من يقول انّ الوضع الذي نشأ في لبنان نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي فضلاً عن الوضع السياسي المأزوم في الأساس، لم يعد يحتمل بقاء غالبية أركان الطبقة السياسية الحالية، ولا سيما من تحوم شبهات الفساد والتسبّب بالانهيار، ممسكين بشؤون البلاد، وانّه بات المطلوب ان تشكّل الانتخابات المقبلة محطة مفصلية للتغيير والإصلاح، بحيث تفتح بنتائجها الطريق أمام نشوء طبقة سياسية تليق بمستقبل البلاد وأجيالها الطالعة، وتعمل على إخراجها من مستنقع الفساد نحو بناء نظام جديد يقيم دولة عصرية تحكمها المؤسسات وأساسها العدالة والسلام وتكافؤ الفرص والكفاية والاختصاص، بعيداً من الطائفية والمذهبية، بحيث يتمّ تنفيذ «اتفاق الطائف» تنفيذاً أميناً، لأنّ كل ما نُفّذ منه منذ العام 1992 الى الآن انما نُفّذ وفقاً لأهواء ومصالح بعض السياسيين وأحزابهم وطوائفهم ومذاهبهم المختلفة.

 

بل انّ هذا التنفيذ غير الأمين لـ» اتفاق الطائف» جعل البلاد توغل اكثر في الطائفية، التي قضى هذا الاتفاق دستورياً، بوجوب الشروع في إلغائها وفق خطط مرحلية بواسطة مجلس النواب المُنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين حسب ما تنص المادة 95 من الدستور المأخوذة من «الطائف» الذي طيع البعض تنفيذ بنوده بما يخدم الثقافة الطائفية ويرسخها عمودياً وافقياً، وكذلك بما يخدم ثقافة الفساد، بل في اتجاه تشجيع الفساد الذي أوصل البلاد الى ما هي عليه من انهيار أورث دولة فاشلة بكل المعاني والمجالات. ذلك انّ الفساد الذي تشرّعه القوانين والدساتير التي توضع خدمة للأهواء والمصالح الخاصة، هو من أخطر انواع الفساد التي تستعصي على المعالجة والاجتثاث.

 

في أي حال، فإنّ بعض المعنيين بالاستحقاق النيابي يتوقعون حصول بعض المفاجآت السياسية والانتخابية وغيرها خلال الفترة الراهنة الفاصلة عن موعد الانتخابات، والتي قد تؤدي الى خروج او إخراج آخرين غير الحريري، إن لم تفرض تأجيل هذا الاستحقاق الدستوري، الذي يقول قطب نيابي، انّ احتمال تأجيله يبقى وارداً حتى ربع الساعة الأخير من موعده…