IMLebanon

ماذا يريدون من الحريري؟

 

 

قال أحد السياسيين الظرفاء، وهو يتابع على الشاشة أخبار الرئيس سعد الحريري في بيروت: «عندما يُبدي كل السياسيين، بلا استثناء، هذه الرغبة الشديدة في عودته إلى العمل السياسي، يجب أن ينشغل بالنا عليه. ففي لبنان يستحيل على أي سياسي أن يرضي الجميع، من دون أن «يفوت بالحيط» عاجلاً أو آجلاً».

ثمّة من يسأل: هل فعلاً يريد قادة الطوائف من الحريري أن يعود إلى ممارسة العمل السياسي، زعيماً لحزب وطائفة، ورئيساً محتملاً للحكومة، أم إنهم يناورون؟ وفي عبارة أخرى، هل إنهم متضررون وخاسرون في غيابه، وسيرتاحون لعودته؟

المحك الأول هو الذي يتعلق بالطائفة السنية. فعندما علّق الحريري عمله السياسي ونشاط تياره، قبل عامين، طرأ تحوّل سياسي مهم على قيادة هذه الطائفة. فقد طُويت ولو موقتاً صفحة الحريرية التي شكلت تياراً سياسياً سنياً اتسَعَ على امتداد لبنان، وعلى مدى 3 عقود. وبهذا الخروج عادت الطائفة إلى ما كانت عليه قبل «الظاهرة» التي شكّلها والده الرئيس رفيق الحريري، عندما كانت تتوزعها زعامات مناطقية متنافسة في بيروت وطرابلس وصيدا وعكار وسواها.

 

وفي العامين الفائتين، أمكن تسجيل 3 ظواهر داخل الطائفة السنية:

-1 إزدياد قدرة «حزب الله» وحلفائه على استمالة بعض الطائفة، في مقابل استمالة المعارضة والتغييريين بعضاً آخر.

-2 تظهير دور ميقاتي كرئيس للحكومة.

-3 إعتماد دار الفتوى مقاربة جديدة للواقع السياسي داخل الطائفة، بعدما كانت تشكل دائماً مظلة دينية للحريرية السياسية.

 

لذلك، إن «انتعاش» الحريرية مجدداً سيعيد رسم الخرائط السياسية داخل الطائفة السنية.

لقد كان لافتاً قول ميقاتي، خلال استقباله الحريري في السرايا قبل يومين: «هنا، نحن ضيوف عنده». فهذا الكلام يرتدي طابع التكريم والمجاملة في الأساس، لكنه أيضاً يحمل الكثير من المعاني السياسية التي يدركها ميقاتي جيداً. ففي الواقع، عندما يعود الحريري، سيعود هو الاسم الأوفر حظاً لترؤس أي حكومة، ويعود ميقاتي إلى موقعه السابق. ولذلك، هل هناك فعلاً مصلحة لميقاتي وسائر الشخصيات المرشحة لترؤس الحكومة في أن يعود الحريري إلى نشاطه السياسي؟

 

المحك الثاني هو مقاربة مسيحيي 14 آذار (السابقة)، ولا سيما «القوات اللبنانية». فمن مصلحة هؤلاء أن يعود الحريري فعلاً إلى الحياة السياسية، شرط أن يكون معهم وأن يشكلوا معاً قوة سياسية وازنة مقابل تَمدّد «حزب الله» وحلفائه داخل السلطة. ويتفاءل هذا الفريق بأنّ الحريري سيصحح النهج السابق، لأنه كان السبب في الصدمة التي تعرض لها. كما أن المملكة العربية السعودية ستكون الضمانة لنهج الحريري الجديد في الحكومة.

 

أما المحك الثالث فهو في الوسط الشيعي، حيث يريد «الثنائي» من الحريري أن يعود إلى نهجه السابق. وفي تقدير البعض أن الحريري سيعود إلى العمل السياسي تحت مظلة التوافق السعودي- الإيراني، بعد اتفاق بكين، لا التنافر كما كان في السابق. وفي رأيهم أنّ المملكة ستتكفّل ضبط أصوات الاعتراض المسيحية.

وفي الواقع، ما جرى في ملف عودة الحريري حتى اليوم هو الآتي: حصل الرجل على إشارة مبدئية من المملكة إلى إمكان عودته إلى العمل السياسي، شرط أن يتم ذلك ضمن تسوية تعدّها اللجنة الخماسية، ترضى بها الرياض، وتشمل طهران. لكن التسوية الداخلية مرتبطة بما يجري في الجنوب والتفاهمات المحتملة هناك، بعد انتهاء الحرب في غزة. ولذلك، يمكن اعتبار التسوية مؤجّلة حتى إشعار آخر.

 

في الانتظار، ما تحقّق حتى الآن يمكن الحفاظ عليه للبناء مستقبلاً. فالإشارة المبدئية إلى عودة الحريري صدرت، ولولا ذلك لما جرى تنظيم حملات الاستقبال الواسعة، حزبياً وشعبياً، ولما جال الحريري على المرجعيات، وأطلق المواقف عبر الإعلام الوثيق الصلة بالمملكة.

 

ولذلك، عندما تتوافر الظروف المناسبة، ستصبح العودة خياراً وارداً. صحيح أنّ كل طرف داخلي يريد من الحريري أن يُجيّر ما لديه من قوة لترجيح الكفة السياسية وفق مصالحه، إلا أن الحريري نفسه سيلتزم ثابتة واحدة أساسية، هذه المرة، وهي: عدم إغضاب المملكة. وهذا الأمر يتوقعه «الثنائي»، لكنه يراهن على أن مقاربة المملكة اليوم لم تعد كما كانت في العام 2017.

وفي أي حال، الضمانة السعودية تبقى خياراً اضطرارياً، باعتراف كل اللاعبين. فلا تسوية داخلية من دون المملكة، ولا طبعاً مليارات الدولارات التي يريدها الجميع، و«الثنائي» خصوصاً، ليحاولوا «التقليع» مجدداً بما بقي من البلد ومؤسساته المنهارة.