IMLebanon

تحديات مارونية الفكرة اللبنانية

 

 

في التاسع من شباط كما في كل زمان، نستذكر أمثولات الناسك القديس مارون مَن افترش الأرض والتحف السماء مواجهاً قساوة الطبيعة بإيمان عميق تجلّى بتجرد وشهادة. ومن مساره البطولي الذي طَبَعَ الزمن، سار قديسون وشهود لمعت علومهم وفلسفة حياتهم، فبَلوروا بعد نضال طويل فكرة لبنان الكبير، وهذا هو مشروعهم السياسي، ولكن ليس مشروعا أحاديا، انفصاليا، بل كيان-حرية وانفتاح بالتكافل والتضامن مع العائلات الروحية ومع التائقين الى الحرية المستباحة في غير زمان ومكان.

 

1 – رواد الفكرة اللبنانية

 

إن تطور الدولة اللبنانية هو حصيلة خيار حُر. ولا يمكن نكران ما لعبه تقلّص الوجود الماروني في الجغرافية والسياسة من تهميش وتهشيم لفكرة الدولة المستقلة التي نخاف ان تستسلم الى منطق رجعي من القرون البائدة حيث الأحزاب «الشخصانية» والعائلات المُمتهنة للسياسة كمصدر رزق وللمذاهب المستلبة الإرادة تقاسمت سلطة فاسدة وهمية وهشة. هذا ما نشهده من تراجع للفكرة اللبنانية التعددية التي باتت تحتاج، بعد الرئاسة وانطلاق الإصلاح العام إذا ما قيض للوطن ذلك، ان ندرس آلية الوصول من الميثاق – المنطلق الى الميثاق – الهدف أي تشذيب نظام حديث قادر على إدارة التعددية والحفاظ على جمهورية 10452 كلم2 من دون تعديل، ويفعل الشفافية والمساءلة.

 

2 – من الأخطاء الى الأصول!

 

جَسّد لبنان الكبير فكرة الوطن الحر بمعناه «الرسالي» بعد قرون مُظلمة، ولكن الأخطاء عند بعض القادة عندنا قد تراكمت، فعرّضت الرسالة الى خطر استراتيجي. وانحدرت فكرة لبنان، إذ قامت تسويات على حساب المسلمات، منذ نكبة 48 مروراً بعدة مفاصل واستحقاقات. وانحرفَ البعض من تسليم كامل بمنطق الدولة الى تقزيم الموقف العام ليضحي على قياس طموحات ضيقة، وقد وصلت الجمهورية إلى أسوأ حالاتها وتراجعت الديموقراطية وكأنها في آخر أيامها.

 

 

لا يمكن للماروني ان يشعّ نجاحاً وتقدماً إلا بالغفران، فالأحقاد قد أكلت الثمين من أحلامنا، وأضمينا وقوداً لأنفسنا، ولأنانيات بعض ما قادَ واحتكر الحقائق والمعطيات، فغابت الإنجازات وبيعت الأوهام. فهاجر شباب الموارنة مع بقية اللبنانيين فعلياً، والا نفسياً، ولم يعودوا يؤمنون الا بمستقبلهم بعدما سُرقت الأموال العامة والخاصة، ولا من مساءلة أو إدانة. والخطأ هو في الصراع بين مؤمن بلبنان بلد المصداقية في بلاد العرب والعالم، حيث العدالة لا تكون شعاراً مسيّساً عديم النتيجة، وبين من يطوع المسلمات الوطنية لحسابات نفعية آنية. خطأ الموارنة ليس في خلافاتهم السياسية وهي عنوان غنى فكري غير شمولي، بل في صراعهم العبثي حول فكرة لبنان توصيفا وتموضعا. اما خطيئة بعض قاداتهم فتتجلى باستعمال المؤيدين وقوداً تغذي الأحقاد، وكأننا في حرب باردة. وكأن الأيام السود لم تكفهم أو تعطهم دروساً عظيمة.

 

على مسار الناسك القديس، نحن مدعوون إلى شأن عام بمنطق رسالي، لا يهمش العقول المفكرة. وكنيستنا مدعوّة إلى المبادرة العقلية، وساستنا مطالبون بالعودة إلى الأصول، لأن المارونية هي شهادة حرية للانسان اللبناني والا فهي سائرة نحو الانحدار. اما المواطن فأمام شهادة للحق لم تبلورها الانتخابات النيابية حق بلورة. والتاريخ لن يكون الا شاهد حق عساه لا يكتب على الورق حصراً.