IMLebanon

أحلام جريصاتي “الكاثوليكية” تتبخّر على “عتبة” البطريرك العبسي

 

يبدو أن هناك أمراً ما كان يُحضّر للمجلس الأعلى للروم الكاثوليك، ذاك المجلس الذي كان يُعبّر عن إستقلالية كاثوليك لبنان على رغم أن بطريركهم كان دائماً من سوريا، لكن المرجعيات العليا في الطائفة تنبّهت لما يحصل بعدما أخذت الأمور طابعاً إنقسامياً حاداً.

 

تتميّز الطوائف المسيحية، إن كانت مارونية أو كاثوليكية أو أرثوذكسية أو أي مكوّن آخر، بالخلاف السياسي وليس الطائفي، فعلى سبيل المثال إن الإنقسام الإسلامي هو طائفي بين سنّي وشيعي ودرزي، بينما عند المسيحيين الوضع مختلف تماماً، فالحزب المسيحي يضمّ جميع المكوّنات الطائفية، ولا يوجد زعيم ماروني أو أرثوذكسي أو كاثوليكي.

 

ويذكر الجميع خلال الحرب، أن الرهبنة الكاثوليكية كانت جزءاً لا يتجزّأ من الرهبانيات التي أنشأت “الجبهة اللبنانية”، ويتميّز الكاثوليك تاريخياً باصطفافهم إلى جانب الخيار السيادي الماروني واللبناني وكانوا أحد أهم أركان “المارونية السياسية”، حتى ذهب بعضهم إلى القول ان توسيع حدود لبنان وإنشاء لبنان الكبير أتى تلبيةً أيضاً لمطلب البرجوازية الكاثوليكية التي أرادت التوسّع، في حين أن الرئيس المؤسس لـ”حزب الكتائب” الشيخ بيار الجميل كان يخوض معركة الأشرفية النيابية ويفوز بالدعم الكاثوليكي.

 

كل هذا التاريخ في خطر اليوم، وسط الحديث عن إنقسام عمودي داخل طائفة الكاثوليك، وقد تجلّى ذلك من خلال إنتخابات المجلس الاعلى للطائفة، والذي يُراد منه وضع اليد على قرار المجلس وتغيير إتجاهه، عبر محاولة الوزير السابق سليم جريصاتي الفوز بمركز نائب الرئيس، علماً أن رئيس المجلس يكون دائماً بطريرك الطائفة.

 

يشكو عدد كبير من الكاثوليك من أن بطريركهم كان دائماً من سوريا، لذلك حاولوا أن يبنوا مؤسسات خاصة بهم في لبنان لتُعبّر عن بعض الإستقلالية، ويُعتبر المجلس الأعلى للطائفة من أبرز تلك المؤسسات حتى لو كان حضوره غير فعّال في مراحل سابقة، لكن الأكيد أن وضع اليد عليه من قِبل حلفاء النظام السوري وعلى رأسهم جريصاتي سيساهم في إضعافه أكثر وتشرذمه.

 

وفي السياق، فإن إنتخابات المجلس ستجرى في آذار المقبل على دورتين، الدورة الأولى حدّدت في 10 آذار ويتوجّب حضور النصف زائد واحد من عدد الهيئة العامة، أما الدورة الثانية فمقررة في 17 آذار وبمن حضر، على أن يُعيّن كل مطران على الأبرشيات السبع 3 أعضاء في الجمعية العامة الناخبة، والبطريرك 21 عضواً، عندها تكتمل الهيئة الناخبة وتصبح نحو 180 ناخباً، في حين أن إقالة الفاتيكان لمطران صور ميخائيل الأبرص وتعيين المطران ايلي حدّاد مدبراً رسولياً على أبرشية صور لن يؤثّر على مجريات الإنتخاب، لأن الأبرص عيّن الأعضاء في الجمعية العمومية قبل تنحيته.

 

وبعد إكتمال النصاب، تنتخب الجمعية العمومية 14 عضواً للهيئة التنفيذية، ويُعيّن البطريرك 7 أعضاء ويختار كل مطران من المطارنة السبعة عضواً واحداً، لتصبح الهيئة التنفيذية 28 عضواً، ينضم إليها الوزيران الحاليان راوول نعمة وغادة شريم و8 نواب يمثلون الكاثوليك وهم: جورج عقيص (القوات اللبنانية)، ميشال ضاهر (مستقل)، نقولا الصحناوي، ادي معلوف وسليم خوري (التيار الوطني الحرّ)، ألبير منصور (الحزب السوري القومي)، ميشال موسى (تنمية وتحرير)، نعمة طعمة (لقاء ديموقراطي)، وتصبح عندها الهيئة الناخبة 38 عضواً، في حين أن طعمة لم يحضر سابقاً أي إنتخابات. وبعد اكتمال الهيئة التنفيذية تنتخب بعد 17 آذار نائب رئيس المجلس وأمين عام وأمين صندوق.

 

وحتى الساعة هناك عدد من الترشيحات ويتنافس على مركز نائب الرئيس كل من الوزيرين السابقين سليم ورده وجريصاتي، ورجل الأعمال طلال المقدسي الذي تبدو حظوظه ضعيفة، وتأخذ المعركة طابعاً محتدماً خصوصاً بعد الحديث عن ضغط سوري باتجاه تأمين فوز جريصاتي.

 

لكن المفاجأة لجريصاتي أتت من المكان الذي لا يتوقّعه، ففي وقت حاول جريصاتي تسويق فكرة أن بطريرك الكاثوليك يوسف الأول العبسي وعدداً من المطارنة الذين يدورون في فلكه، يؤيدونه ويعملون من أجل فوزه أو تزكيته، علمت “نداء الوطن” أن العبسي اتّصل بعدد من المرشحين والشخصيات الكاثوليكية وأبلغهم حرفياً بأنه أب لكل أبناء الطائفة، ولا يدعم جريصاتي كما يحاول البعض الترويج، وأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع ولا يريد أن يحصل أي إنقسام داخل الصفّ الكاثوليكي، وذهب بعيداً بقوله إنه يريد التوافق ولا يرغب أن يأتي أي شخص إستفزازي، والتوافق يمكن العمل عليه منذ الآن، أو حتى بعد انتخابات الهيئة التنفيذية.

 

أسقط موقف البطريرك العبسي كل أحلام جريصاتي بمعركة سهلة، إذ إن هذا الموقف أثّر على الإكليروس أيضاً، وبالتالي فإن المعركة باتت متكافئة بين جريصاتي وورده، وربما يُطرح اسم ثالث يتبنّاه البطريرك، وبذلك يكون المجلس الأعلى للكاثوليك قد أزاح عنه عبء الإنقسام الداخلي.

 

ويبدو أن جريصاتي الذي “يطحش” في اتجاه نيابة رئاسة المجلس، كان يريد ضمان موقع متقدّم له وليصبح الناطق الرسمي باسم طائفة الكاثوليك، بعد غياب الزعامات الكاثوليكية وتوزع النواب على عدد من الكتل، في حين أنّ فريق العهد ومعه النظام السوري يريدان ضمان كرسي لجريصاتي داخل جلسات الحوار الوطني التي قد يدعو الرئيس ميشال عون إليها في وقت لاحق.

 

لكن ما يثير ريبة المعترضين أيضاً أن جريصاتي يواجه سيف العقوبات الأميركية بعد وضع النائب جبران باسيل على لائحتها، وهذا الأمر إن حصل، سيضع المجلس الأعلى للطائفة تحت مجهر العقوبات ويكبّل عمله وحتى إتصالاته العربية والدولية.

 

وأمام كل ما يحصل، تصدر أصوات داخل الطائفة تُحذّر من خطورة ما يُحاك للمجلس الأعلى للكاثوليك في حال تمّ إنتخاب نائب رئيس تدور حوله شبهات ومعرّض للعقوبات، وكيف سيتم ترويضه وإدخاله في محور لا يريده ويجعله مطية للسياسات ويفقده قراره المستقل؟!