IMLebanon

الصايغ لـ «الجمهورية»: الـ400 ألف ليرة… «فضيحة» ونسبة البطالة توازي نسبة الفقر

 

 

لم يتّضح بعد المسار الذي ستسلكه نهاية الأزمة في لبنان، ومع مرور الوقت تزداد مخاوف المواطن من الفقر والبطالة وتدهور الليرة… فرِحت العائلات الأكثر حاجة عند إقرار مساعدات الـ 400 ألف ليرة، ولكن «يا فرحة ما تمّت»، فكيف وُزّعت هذه المساعدات؟ كيف سنحارب البطالة؟ وهل سيواكب لبنان الاقتصاد العالمي الجديد؟ هذه الأسئلة وجّهتها «الجمهورية» الى نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية الدكتور سليم الصايغ، في حوار دارت وقائعه كالآتي:

 

• على أي أساس وزّعت الحكومة اللبنانية الـ 400 ألف ليرة كمساعدات مالية؟ وهل أنجزت هذه المهمّة؟

 

– عملية توزيع هذه المساعدات هي فضيحة بحدّ ذاتها وتشوبها أخطاء منهجيّة:

 

– أوّلًا، بعد تخبّط كبير بين وزارة الداخلية وخليّة الأزمة ووزارة الشؤون الاجتماعية، أُوكلت مهمّة توزيع المساعدات للجيش اللبناني، غير أنّ المسح الاجتماعي والتأكّد من صحّة الاستمارات المعبّأة ليسا من مهمات الجيش. هذا العمل منوط بوزارة الشؤون الاجتماعية المؤتمنة على «برنامج دعم الأُسر الأكثر فقرًا»، الذي يتميّز بمنهجيّة عمل هي من أفضل المنهجيات الدولية، وعلى رغم من زيادة بعض الأسماء على البرنامج في مرحلة معيّنة نتيجة استغلال البعض للسلطة، فقد تمّت تنقية العائلات من الإضافات جدّياً. واليوم هناك قاعدة بيانات واضحة وشاملة، يجب أن تكون الأساس لأي تدخّل للدولة في إطار الدعم الأُسري. ولكن يبدو أنّ البرنامج الذي لا تسيطر عليه فئة معيّنة، تتم تصفيته والعمل على غيره، وذلك بسبب تغلّب عقلية المحاصصة السياسية ووجود نوع من الإقطاع الطائفي السياسي في كافة الوزارات.

 

ـ ثانيًا، تكليف مؤسسات غير متخصصة لتحديد الأُسر المستفيدة، فهناك أشخاص متخصصون في «علم الفقر» لعقود من الزمن وأصحاب خبرات، هم مؤهّلون لوضع المعايير التي على أساسها نحدّد العائلات الأكثر حاجة.

 

– ثالثًا، أُقرّت هذه المساعدات منذ شهرين تقريبًا، حينها كان سعر صرف الدولار بحدود الـ 2000 ليرة لبنانية، واليوم تخطّى سعر الصرف الـ 4000 ليرة، فهل يجوز أن تبقى المساعدات على هذا المبلغ في ظلّ الضائقة الكبيرة التي يعاني منها المواطنون؟.

 

 

 

• بلغت نسبة البطالة 35% في أواخر العام 2019، وبعد انطلاقة الثورة وأزمة الكورونا، أصبح هناك أكثر من 3000 آلاف عامل بلا عمل، كيف تقيّم الواقع وهل من دراسات وأرقام توضح الصورة؟

 

– لا وجود لأرقام حقيقية، والأرقام المتداولة غير واقعية، لكن يُمكن اعتبار وللمرّة الاولى في تاريخ لبنان، أنّ نسبة البطالة توازي تقريبًا نسبة الفقر، وإن اعتمدنا الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك الدولي، فنسبة الفقر تفوق الـ 52% هذا يعني أنّ البطالة ليست بعيدة عن هذا الرقم.

 

وفي سابقة تاريخية، أقفلت أزمة الكورونا الحدود، وتضاءلت أمام شبابنا فرص التوجّه إلى الخارج، كما عاد عدد كبير من المغتربين إلى الوطن بسبب ضيق السوق وانكماش الاقتصاد العالمي، الأمر الذي سيشكّل ضغطاً كبيراً على سوق العمل في لبنان، ما يحتّم ضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد وسوق العمل، وتطوير البنى التحتية للاتصالات التي تسمح للبنان دخول عصر الـ 4G والـ 5G ما يخوّل اللبناني العمل عن بُعد ومن المنزل، لمواكبة الاقتصاد الجديد العالمي والاقتصاد المعرفي. هذا فضلًا عن اعتلام صناعات وزراعات مهمّة تدخل المعايير الدولية وتكون جاهزة للتصدير والمنافسة في الأسواق العالمية. كما يُمكن تقليص حجم العمالة الأجنبية من خلال التّحكم بالعرض والطلب، فهناك إحتمال أن يتوجّه اللبناني إلى الاعتماد أكثر على نفسه لناحية المساعدات المنزلية والخدمات الأخرى، كما في بلدان الغرب، ولكن هذا الأمر لن يؤمّن فرص عمل، لأنّ اللبناني متعلّم ويسعى للعمل بما يتماشى مع كفايته.

 

 

 

• ما هي السُبل التي ستُمكّن الحكومة من النجاح في إنقاذ البلد؟

 

– علينا إعادة إحياء القطاع الخاص لإنقاذ لبنان، لأنّه يحفظ استقرار الاقتصاد ويخلق فرص عمل. لم يغرق لبنان إلّا لأنّه تخطّى القطاع الخاص، ولم يستمع أحد لنداءات الإستغاثة التي أطلقها منذ سنوات، ولم تؤخذ آراؤه في الاعتبار، تمامًا كما حصل للورقة التي أنجزها «المجلس الاقتصادي الاجتماعي»، والتي استُبدلت بخطّة تقنيّة مسقطة من الأعلى، على الرغم من معارضة كل القطاعات لها… كيف يريدون إقناع المجتمع الدولي بأنّهم جديّون وأنّ نظامنا الاقتصادي نظام حرّ، في الوقت الذي تفرض الدولة خططاً بطريقة فوقية، وهي غير قادرة على مواجهة أزمة من هذا النوع، من دون أن تكون محصّنة بالقطاع الخاص الذي يُشكّل ثروة وطنية. إنّ نجاح أي سياسة أو خطّة اقتصادية يبدأ من أرض الواقع، ومن معاناة القطاعات المعنيّة كافة، وليس مُنزَلًا من السماء أو من أدراج تقنيّة أو من استشارة دولية أو محليّة.

 

 

 

• ما الذي سيخضع له لبنان نتيجة استدانته من صندوق النقد الدولي؟

 

– صندوق النقد الدولي يطلب خطّة كاملة متكاملة ليقتنع بها كصندوق سيُقرض الدولة اللبنانية؛ المنطق نفسه عند التوجّه إلى أي مصرف بطلب الاقتراض، فيدرس المصرف قدرة المقترض على تسديد الدين وتحت أيّ شروط، ويتحقق من قابلية المقترض على الاستدانة، ويدقّق في ما إذا كان صاحب الطلب مؤهّلاً فعليًّا لترجمة ما يَعد به على الورق بسياسات.

 

سيشترط صندوق النقد على الدولة اللبنانية الالتزام بإصلاحات اقتصادية وإجتماعية، وهذه الإصلاحات لن تتحقّق إلّا من خلال الإصلاح السياسي لرفع اليد عن لبنان وتحرير الإرادة اللبنانية، لإستعادة مناخ الثقة الذي تحدّثت عنه كل البيانات الوزارية، وحتّى بيان حكومة الرئيس دياب، وذلك من خلال تدابير عمليّة جدّية. فقد أُطلقت على حكومة الرئيس سعد الحريري تسمية «حكومة إسترجاع الثقة» ونتج منها ثورة 17 تشرين…

 

لا يأخذ صندوق النقد الدولي في الاعتبار شبكات الأمان الاجتماعي أو خصوصيّة البلدان، بل الدول هي من تدرك خصوصيّتها وهي من تركّز نهضتها، وما يهمّه هي المحصلة. على سبيل المثال، إن وعدت الدولة بتنشيط الزراعة، فما هو المردود المتوقع وما هي فرص العمل التي ستؤمّنها؟ وإن وعدت بتنشيط السياحة، فما هي التدابير التي ستتخذها وما هي المردودية منها؟… أتمنّى أن يطلب لبنان من صندوق النقد عقداً من الشراكة، لأنّ البلد مفلس ماليًّا ولكنّه يملك أصولاً وطاقات بشرية، لا يُعقل أن تُرتهن لمؤسسات دولية أو لفساد داخلي أصبح مستشرياً في كافة القطاعات، وخصوصاً في القطاع العام.

 

 

 

• شجّعت الحكومات السابقة ومصرف لبنان المواطنين على الاعتماد على الليرة اللبنانية، فماذا نقول اليوم لم إئتمن الحكومات ومصرف لبنان والمصارف وأودع جنى عمره بالليرة اللبنانية؟

 

– من المنطقي أن يشجّع المصرف المركزي والحكومة المواطنين على الاعتماد على الليرة الوطنية. وبطريقة أو بأخرى الجميع مستفيد؛ فهناك جزء كبير من اللبنانيين لم يحتاجوا إلى تشجيع، لأنّهم كانوا يستفيدون من الفوائد المرتفعة على الودائع بالليرة، ويدركون أنّ الفائدة مرتبطة بالمخاطر، وبمقدار ما تكون المخاطر مرتفعة بمقدار ما ترتفع الفوائد. وهناك جزء آخر من اللبنانيين اختاروا الأمان وأودعوا أموالهم بالدولار، وهذا ما يبرّر أن نسبة 76% من الودائع هي بالدولار. في بلد «مدولر» مثل لبنان، من الطبيعي الربط بين العملة الوطنية والدولار لحفظ القدرة الشرائية، ولكن كان يجب تأمين احتياطي عام متنامٍ بالدولار، وهذا لم يحصل بسبب غياب المناخ الذي يستقطب الرساميل الدولارية والاستثمارات الأجنبية وتوافد السيّاح. ومناخ الثقة ضروري، لا سيما وأنّ بناء الاقتصاد على فائض في الميزان التجاري أمر مستبعد، لأنّ لبنان لا يملك القدرة التنافسية في الأسواق العالمية. حتّى وإن توجّهنا الى زيادة التصدير تبقى المواد الأولية مستوردة.

 

استقطاب الدولار وجذب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل القطاع التكنولوجي والقطاع السياحي هو الحل الأساسي، وهذه القطاعات تشكّل هوية لبنان الاقتصادية، ويجب التركيز على قيمة البلد التفاضلية في العالم، وهي وجوده على تقاطع تجاري وفكري وحضاري، فضلًا عن ضرورة وجود شبكة أمان اقتصادية في القطاع الصناعي والزراعي، ما يساعد في تثبيت مقوّمات اقتصاد مستقر.