IMLebanon

سامي إلى الصيفي: الكتائب تتغيَّر أم لبنان؟

 

ثمة ظاهرة سياسية لبنانية جديرة بالدرس: فيما أبواب التغيير من طريق الانتخابات النيابية مقفلة حتى إشعار آخر، تقوم القوى السياسية التاريخية بعمليات «تغييرها» الخاصة. وتوحي قراءة الظاهرة بأنّ انتقال القوى اللبنانية من جيل إلى آخر، ولو اتَّسم بطابع عائلي، إنما يترجم عبوراً للبنان من مرحلة إلى أخرى.

تقوم الحياة السياسية في لبنان على «بيوتات»، منذ ما قبل الإمارة في القرن السادس عشر. وبعد قيام لبنان الكبير، لم يخرج عن هذه البيوتات سوى الأحزاب العقائدية الشيوعي والقومي. لكنها، في الستينات والسبعينات، انضوت حركياً تحت عباءة كمال جنبلاط الذي بنى حزبه على أفكار اشتراكية، لكنه حافظ على موقعه كسليل لبيت جبلي عريق.

إلّا أنّ أحزاباً وزعامات مسيحية خرقت قواعد العائلية يومَ نشوئها. فالشيخ بيار الجميل لم يأتِ من إقطاع تاريخي ليؤسّس حزباً شبابياً في 1936، هو الكتائب، ولا الرئيس كميل شمعون ولا العميد ريمون إده.

لكنّ ظروف الممارسة السياسية والحرب، رجَّحت خيار «الاستمرار العائلي» في القيادة. ولم يقتصر ذلك على الأحزاب التاريخية، بل شمل التيارات الجديدة، في درجات مختلفة: «التيار الوطني الحرّ» و»القوات اللبنانية» و»المستقبل» وسواها.

اليوم، يستعدُّ الكتائب، لتغيير يواكب مرحلة جديدة من تاريخه، هي السابعة:

1- مرحلة التأسيس، ثمّ الاستقلال (1943). وهي واكبت تأسيس لبنان «الميثاق والصيغة».

2- مرحلة الصراع الحزبي التقليدي، من ثورة 1958 إلى حرب 1975.

3- مرحلة الحرب التي أبرزت دور الشباب المقاتل (بشير الجميل) كتيارٍ تجديدي. وهي انتهت باستشهاد بشير ووفاة المؤسس.

4- مرحلة الحزب في رئاسة الجمهورية، مع الرئيس أمين الجميل. وخلالها شهدت الكتائب خضّات عنيفة. وهي انتهت بانتهاء الولاية (1988) والطائف (1989) وعهد الوصاية السورية الكاملة.

5- مرحلة «الأمر الواقع» الحزبي حتى 2005. وفيها عاش الحزب مآزق التكيُّف وتقطيع الوقت.

6- مرحلة استعادة الحزب بعد 2005.

7- المرحلة المتوقعة بعد «الربيع العربي».

اليوم، تستعدُّ الكتائب لتجديد قيادتها. فالرئيس الجميل لن يرشّح نفسه في المؤتمر العام المقرَّر في 12 و13 و14 حزيران. وبات واضحاً أنّ النائب سامي الجميل سيكون رئيس الحزب العتيد. وهو على وشك إعلان ترشيحه رسمياً.

ويتبيّن أنّ المرحلة المقبلة كتائبياً، توازي المرحلة الأولى التأسيسية من حيث دقَّتها، بل هي الأخطر في تاريخ الحزب. فلبنان مقبل على إعادة التأسُّس، بفعل التحوّلات الكبرى التي تنتجها عواصف «الربيع العربي»، والتي ستبدِّل في كل كيانات الشرق الأوسط، وستترك بصماتها على لبنان.

ويصل النائب سامي الجميل إلى قيادة الحزب، ليس كمَن يصل إلى حديقة عامة في منتصف نزهة ربيعية، وإنما عليه التصدّي لاستحقاقات مصيرية. ويحمل النائب الشاب حصاداً من التعب والمواجهات على مدى سنوات طويلة… لكنه أيضاً موعودٌ بتعبٍ ومواجهات آتية.

رفاق سامي يشعرون بالانزعاج عندما يضع البعض وصوله إلى رئاسة الحزب في الخانة العائلية فحسب. ويقولون: أمضى سامي نصفَ عمره حتى الآن، وهو إبن الـ34، ناشطاً في كل الأطر النيابية والحزبية والحقوقية والسياسية للدفاع عن لبنان الذي يؤمن به، وهو كان متقدِّماً طليعة الشباب المقاومين في زمن الوصاية السورية.

فمنذ أيام الجامعة اليسوعية، في عمر الـ18، بادر إلى النضال في حركة «لبناننا»، وبعدها في حزب الكتائب. ولذلك، هو لا يأتي إلى صالونٍ للزعامة في الصيفي، بل إلى المعترك الساخن. وأساساً باتت الزعامة في لبنان عملة ورقية أكَلتها رطوبة الزمن.

ويقول البعض خارج الحزب: إذا كان من شروط الوراثة السياسية أن يكون الوارث على صورة الموروثِ ومثالِه، فالواضح أنّ سامي يشكّل في أحد خطوطه امتداداً للميراث الجميلي الكتائبي، لكنه أيضاً يشكِّل ثورة هادئة عليه.

في المرحلة الآتية على لبنان، سيكون لسامي الجميل، بأفكاره التغييرية، دورٌ هو الأكثر ملاءمة ومواكبة. وهذا هو المغزى السياسي الذي يمكن استنتاجه في عملية التغيير الكتائبية المنتظرة. فسامي له أفكاره في شأن مستقبل لبنان، وينادي بإنقاذ ثلاثي الأعمدة يقوم على: اللامركزية والتعددية والحياد. وهذه عناوين تستأهل تفكيراً عميقاً لحماية لبنان من عواقب التورُّط في المستنقع الإقليمي وتجنيبه مخاطر الحروب والتفتُّت.

الكتائب، في عَهد رئيسها الشاب، وفي عُهدتِه، ومعها كل القوى السياسية في لبنان، تبدو أمام تحديات مرحلة تأسيسية تلوح مؤشراتها من البوابات الشرقية.

فأي دور سيكون للكتائب، و»فتى الكتائب» الآتي إلى الصيفي، في صيفِ الشرق الآتي؟