IMLebanon

السعودية ولبنان من فيصل إلى سلمان.. ماذا سيفعل “حزب الله” بترشيح فرنجية؟

 

 

في 25 آذار 1975 اغتيل الملك فيصل بن عبد العزيز في مكتبه في الديوان الملكي في المملكة العربية السعودية. بعد 18 يوماً، في 13 نيسان اندلعت الحرب في لبنان. لم يكن لحادث الإغتيال علاقة بتلك الحرب ولكن العلاقة بين المملكة العربية السعودية ولبنان كانت قبل الحرب واستمرّت معها وبعدها وشهدت مراحل قوة وضعف وتخلّلتها صراعات منذ ذلك التاريخ مع النظام السوري ثم مع النظام الإيراني.

 

عندما اغتيل الملك فيصل حاول البعض الإيحاء أنّ عملية الإغتيال ليست إلّا مؤامرة أميركية ناتجة عن تداعيات قرار الملك السعودي وقف ضخّ النفط في تشرين 1973 خلال الحرب بين كل من مصر وسوريا، وبين إسرائيل، الأمر الذي أدّى إلى أزمة نفط عالمية تأثّرت بها الولايات المتحدة الأميركية لأنّها كانت لا تزال تعتمد على النفط الخليجي بصورة كبيرة. ولكن تلك المحاولة لم تنجح وبقيت عملية الإغتيال ضمن حدودها الضيقة الشخصية، حيث أنّ الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود أطلق النار على عمّه وقتله فاعتُقل ثم أُعدِم.

 

يحكى اليوم عن العلاقات بين السعودية وواشنطن وكأنّها في أسوأ حالاتها بعد الإتفاق الذي حصل بين السعودية وإيران بوساطة صينية. ولكن منذ لقاء الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن الطراد «يو أس أس كوينسي» وتوصّلهما إلى اتفاق 14 شباط 1945، بقيت العلاقات الأميركية السعودية متينة وإن مرّت أحياناً ببرودة وخلافات.

 

ظهر الأحد 16 أيلول 1962 هبطت طائرة سعودية تُقلّ وليَّ العهد الأمير فيصل في بيروت وكان في طريقه إلى واشنطن تلبية لدعوة رسمية. في اليوم التالي التقى الرئيس فؤاد شهاب ثم انتقل إلى فرانكفورت في ألمانيا ليتوجّه من هناك إلى واشنطن. خلال وجوده في العاصمة الأميركية حصل الإنقلاب في اليمن في 27 أيلول 1962. في 19 أيلول توفّي الإمام أحمد الذي تولّى الإمامة بعد اغتيال والده الإمام يحيى حميد الدين عام 1948. وكان من الطبيعي أن يخلفه ابنه الإمام البدر. كان اليمن دائماً يعيش على فوهة اضطرابات في دولة غير مستقرّة. وكان الرئيس المصري جمال عبد الناصر يلعب دور القائد الذي يريد أو يوسّع نفوذه في العالم العربي ودخل في صراع طويل وعنيف مع المملكة العربية السعودية بعد العام 1958.

 

بينما كانت إيران في ظلّ قيادة الشاه محمد رضا بهلوي على علاقة جيّدة مع المملكة تحت سقف تحالف إسلامي ضد النفوذ الشيوعي السوفياتي ومن ضمن استراتجية أميركية خلال الحرب الباردة. كان الإنقلاب في اليمن مدعوماً من عبد الناصر. اعتقد الأخير مع الذين نفّذوا الإنقلاب أنّ الإمام البدر قُتِل في قصره. ولكن الواقع لم يكن كذلك. بعد إعلان الجمهورية اليمنية بقيادة العقيد عبد الله السلال بـ14 يوماً ظهر أنّ البدر حيّ وأنّه مستمرّ في تولّي الإمامة وبدعم من المملكة العربية السعودية بدأت حرب اليمن التي امتدّت عدة أعوام.

 

كان الأمير فيصل لا يزال في واشنطن عندما تمّ الإعلان في المملكة عن تكليفه تشكيل حكومة جديدة تتولّى مقاليد الحكم الفعلية في ظلّ استمرار حكم الملك سعود. هكذا عندما بدا أنّ اليمن سقط نهائياً تحت سلطة معارضي المملكة ليُستخدَم محطّة لهزّ العرش فيها، انتقلت المملكة إلى خطة المواجهة العسكرية ودعم عودة الإمام البدر إلى الحكم. طوال ستة أعوام تحوّلت هذه الحرب إلى حرب استنزاف تكبّد فيها الجيش المصري خسائر فادحة وكان تدخّله هناك أحد الأسباب الرئيسية لهزيمته في حرب 1967.

 

مرّة ثانية استُخدِم اليمن في الحرب ضد المملكة العربية السعودية ولكن هذه المرة عن طريق طهران. في العام 2015 عندما بدا للجمهورية الإسلامية أنّ اليمن كلّه سيسقط بيد الحوثيين الذين تدعمهم، تولّى الملك سلمان القيادة وأعلن عملية «عاصفة الحزم» في 25 آذار ليوقف التقدّم الحوثي ويعيد تثبيت الحكم الشرعي في اليمن، ولتبدأ من هناك حرب طويلة استمرّت حتى إعلان الهدنة في 2 نيسان 2022.

 

حرب اليمن الأولى دامت نحو سبعة أعوام وانتهت بسحب الجيش المصري من اليمن وبإعلان جمهورية جديدة فيه قريبة من المملكة العربية السعودية. تلك الحرب جعلت من الملك فيصل الحاكم القوي للمملكة وقوّت دوره وحضوره في العالم العربي بعد أفول نجم عبد الناصر في العام 1970. وحرب اليمن الثانية جعلت من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرجل القوي في المملكة وصاحب الحضور القوي في العالم العربي أيضاً. أسّس الملك فيصل لسعودية قوية مستقرّة انتقل فيها الحكم بعده بشكل طبيعي إلى الملوك خالد وفهد وعبدالله ثم سلمان. ويؤسّس وليّ العهد الحالي لمرحلة جديدة من الحكم القوي مع جيل أحفاد الملك المؤسّس عبد العزيز.

 

بين اليمن ولبنان

 

يبقى اليمن دائما دولة غير مستقرة. بعد الجمهورية الموحّدة عاد وانقسم بين الشمال وبين الجنوب. ثم عاد وتوحّد تحت قيادة علي عبد الله صالح. ثم انقسم مجدداً بعد الحرب مع الحوثيين. انقسامات اليمن تشبه انقسامات لبنان. ودور المملكة في لبنان كان عرضة للمواجهة كما كان في اليمن. ولكن ما حصل أنّ المواجهة في اليمن كان «حزب الله» أحد أبرز محركيها ضد المملكة من خلال الدعم الذي أعطاه للحوثيين بغطاء وطلب من إيران. ولذلك اعتبرت المملكة أن المواجهة واحدة في اليمن وفي لبنان.

 

في أيلول 1976 كان للمملكة الدور الأبرز في محاولة إخراج لبنان من الحرب إلى السلام عبر لقاء القمة المصغر الذي عُقد في الرياض ثم استُتبع بلقاء مماثل في القاهرة. اللقاءان أسّسا لتغطية قوات الردع العربية دعما لعهد الرئيس الجديد الياس سركيس. اللقاءان حصلا بينما كان النظام السوري على خلاف مع منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية والإتحاد السوفياتي وقريباً من الولايات المتحدة الأميركية. ولكن زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس في 17 تشرين الأول 1977 قلبت الموازين والمقاييس. ابتعد النظام السوري عن المملكة وبدأ حرباً جديدة في لبنان منذ العام 1978. ونتيجة ذلك انسحبت الوحدات السعودية والعربية الأخرى المشاركة في قوات الردع وبقي الجيش السوري وحده.

 

مرة ثانية حصل التدخل السعودي في معركة رئاسة بشير الجميل بعد استقباله في الرياض ولقائه الوزير الأمير سعود الفيصل. بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 كان من المقرر أن تبدأ عميلة تنظيف سعودية لآثار الحرب من خلال الدور الذي أوكِل للرئيس رفيق الحريري. ولكن الحرب كانت بدأت من جديد على حساب هذا الدور بعد عودة الجيش السوري إلى بيروت. بدل الدعم السعودي وصلت إلى لبنان طلائع الحرس الثوري الإيراني وبدأت الحرب في الخليج بين العراق وإيران التي أعلنت تصدير الثورة الإسلامية إلى الخليج واستهدفت بشكل أساسي النظام السعودي الذي وضعته في مرتبة العداء الإيديولوجي والسياسي.

 

بعد انتهاء حرب الخليج الأولى بخسارة إيران، كان على المملكة أن تضطلع مرة جديدة بمحاولة إنقاذ لبنان من خلال اتفاق الطائف في العام 1989. ولكن لمرّة ثالثة كان الدخول السعودي إلى الملف اللبناني ممنوعاً هذه المرة من التحالف الجديد بين النظام السوري والنظام الإيراني. اعتبرت دمشق أنّ هذا الإتفاق بغطاء سعودي عربي مناوئ لها يهدف إلى إخراج جيشها من لبنان. كان رينيه معوض رئيس الطائف الجديد للمرحلة الجديدة، وبعد اغتياله حصل الإنقلاب عليه وبدأ عهد الطائف السوري. في هذه المرحلة دخل رفيق الحريري إلى اللعبة السياسية ولكنه بقي تحت الحصار. حصار الحريري كان يعني بشكل مباشر حصار الدور السعودي في لبنان واغتيال الحريري كان اغتيالا لهذا الدور.

 

ما بين «حزب الله» والسعودية

 

ما بين «حزب الله» والسعودية لا يمكن أن يمحوه اتفاق جديد بين السعودية وإيران بوساطة صينية. كيف يمكن أن يتحول «الحزب» بين ليلة وضحاها من قائد للحرب ضد المملكة وحكم آل سعود إلى مبشّر بعودة العلاقات بينها وبين إيران؟ وكيف يمكن أن يعيد النظر بكل خطابات أمينه العام السيد حسن نصر الله التي شيطن فيها المملكة وحكامها؟ ليس اتفاق طهران – الرياض انقلاباً في الموازين. ولا هو هزيمة للمملكة كما يحاول محور طهران أن يصوِّره. ولا يمكن بالتالي أن ينعكس انقلاباً في التوازنات في لبنان في ما يتعلّق بمعركة رئاسة الجمهورية.

 

الإتفاق هو تسوية خروج من المواجهة العسكرية التي أتعبت السعودية وإيران كما أتعبت حرب اليمن الأولى السعودية وعبد الناصر، ولكنّها انتهت عملياً لمصلحة السعودية. الإتفاق يعني حتماً انتهاء حلم إيران بالسيطرة على اليمن، وانتهاء حلمها بتطيير نظام الحكم في المملكة الذي كان هدفاً ثابتاً لها منذ قيامها في العام 1979. وهو يعني أيضاً التهدئة في كل ساحات الصراع من البحرين إلى العراق وسوريا ولبنان. أثبتت المملكة مرّة جديدة أنّها ليست مجرّد نظام هشّ يمكن أن ينهار عند أوّل تهديد. كما في حرب اليمن الأولى قلبت السعودية المقاييس وهكذا فعلت في حرب اليمن الثانية.

 

في ظلّ هذه الحرب كانت المملكة تشهد قيامة جديدة اقتصادية ونمواً وازدهاراً لم تستطع المسيّرات الحوثية الإيرانية أن تحدَّ منهما. ولبنان ليس بعيداً عن هذه النتيجة. الإتفاق السعودي – الإيراني لا يصنع رئيساً من محور «حزب الله». وربّما يستوجب هذا الأمر إعادة النظر في تبنّي ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. ذلك أن معارضة انتخابه ستصير أقوى بعد هذا الإتفاق. وهذا الموقف السعودي لا رجعة عنه وهذا ما يعرفه «حزب الله». فهو بطبيعة الحال يبقى تحت سقف السياسة الإيرانية وتحت سلطة الولي الفقيه في طهران، ولذلك قد يكون من الجائز السؤال أيضاً عما إذا كان يمكن لـ»الحزب» خلال هذه المرحلة مثلاً أن يستضيف مؤتمراً لمعارضين سعوديين بينما يبدأ البعض من القريبين منه تقدير الموقف السعودي وسياسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على خلفية أنّه يحاول الخروج من العلاقة الإستراتيجية مع واشنطن.

 

واقع الأمر أنّ السعودية أيضا تقاتل وأنّ نظامها قوي وأنّ الإتفاق مع إيران هو نتيجة لهذه القوة. وسيكون هناك تشدد أكبر في ما يخص استحقاق الرئاسة المعطّلة في لبنان حتى لا يُفسّر أيّ تنازل بأنه نتيجة تنازل سعودي في الصين. وأيّ خيار أمام «حزب الله» غير فرنجية يعتبر خسارة له وتنازلاً.