IMLebanon

لن تُهزم السعودية على أرض لبنان

من المحزن أن نرى ما آلت اليه الأمور أخيراً في العلاقات اللبنانية السعودية والخليجية وهي علاقات عريقة، ساندت فيها المملكة العربية السعودية لبنان في كلّ مرحلة، وعسى أن تكون هذه الهزات مجرّد غيمة تزول مع انجلاء الحقائق.

فالمصطادون في الماء العكر كثيرون، ومَن يصبّ الزيت على النار غير مقصّر خصوصاً بين الساسة اللبنانيين، في محاولة لتصوير لبنان في موقع المعادي للمملكة العربية السعودية، وربما تحليلات الصحف الاسرائيلية اليوم حول أنّ القرارات السعودية والخليجية الأخيرة في شأن العلاقة مع لبنان بمثابة «اعتراف بالهزيمة» وبـ «سقوط هذا البلد تحت سيطرة إيران وحزب الله»، ما هو إلّا محاولة مكشوفة لتأجيج الخلاف خدمة لمصالح باتت معروفة. حتى إنّ أحد المواقع الالكترونية اعتبر أنّ قرارات الرياض تُعدّ تخلّياً من حلفائها الذين سيطروا على لبنان طوال أكثر من عشر سنوات.

فلبنان لن يكون يوماً في موقع المعادي للمملكة العربية السعودية ولمصالحها في المنطقة، والموقف اللبناني كان واضحاً من الاعتداء على السفارة السعودية في ايران، إلّا أنّ تناقضات الواقع اللبناني تبقى خطاً أحمر يجب عدم تجاوزه لعدم جرّ هذا البلد الى أتون حرب طائفية جديدة،

وهو أمر تدركه جيداً المملكة العربية السعودية، ففي طائفها انتهت حرباً مدمّرة تعرف السعودية جيداً كم كانت كلفتها على لبنان. ولا بدّ من التذكر بأنّ دور المملكة كان دوراً أساسياً لإنهاء الحرب اللبنانية على رغم ملاحظات البعض حول انتقائية تنفيذ مقرّرات هذا الاتفاق.

انطلاقاً من هذا، فإنّ موقف وزير الخارجية جبران باسيل هو موقف يحظى بإجماع لبناني وتجلّى ذلك بوضوح عبر تأييد دولة الرئيس تمام سلام لموقفه في برنامج «كلام الناس».

فلا يمكن تحميل لبنان وحكومته أكثر من هذا الموقف. فنحن نقف على حافة صراع مذهبي منذ الجريمة النكراء لاغتيال دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا يمكن لأيّ طرف لبناني الانقلاب على شريكه استرضاءً لدولة خارجية مهما كانت صديقة، لا يتحمّل لبنان تبعات هكذا خطوات. ولا اعتقد أنّ السعودية تريد عزلَ أيّ فئة في لبنان لأنّ منطق العزل أوصَل لبنان الى حرب أهليّة مدمّرة.

نحن كفريق سياسي لبناني لا نحمل أيّ ضغينة ضدّ المملكة العربية السعودية كما يحاول البعض الإيحاء، إلّا أنّ دور المملكة العربية السعودية اليوم يجب أن يكون داعماً لاستقرار البلد وليس العكس، يجب أن يكون حاضناً ومشجّعاً للحوار حماية للنسيج اللبناني وتنوّعه. ولا حاجة لتوقيع عرائض لإثبات ذلك.

فقد انحرفت البوصلة اليوم ليصبح الصراع قائماً بين أشقاء وأصحاب قضية واحدة وهذا بالتحديد ما يجب تصحيحه، وأتذكّر هنا قولاً عظيماً لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله: «حول التحدّيات التي تواجه العرب والمسلمين والمخاطر المحتملة تجاههم (إنّ شعبنا وأمّتنا العربية والإسلامية يواجهان اليوم تحدّي الشر، وشراسة العدوان، وقد عوّدنا إسلامنا وعروبتنا، أن نستجيب لكلِّ تحدّ، وأن ننتصر عليه، فقوة الحق قوة سرمدية، وحق القوة حق ظرفي، إن تبدّى اليوم فهو مندثر غداً، لذلك آن لإسرائيل أن تفهم أنّ غطرسة القوة، أعجز من أن تُبيد شعباً عربياً كالشعب الفلسطيني العزيز، وقوة الغطرسة أضعف من أن تقتلع جذور لبنان الشقيق من تربة العروبة، فشجرة السلام لا تُسقى بالدم، وسلام القوة سلام جهيض».

وبصمات الملك بن عبد العزيز في لبنان لا يمكن محوها بسهولة فمواقفه الحكيمة جنّبت لبنان العديد من الأخطار في محطاتٍ عدة، هذا التاريخ وهذه المسيرة هي أكبر من أن يتم إلغاؤها.

اليوم المطلوب من الجميع التحلّي بالمسؤولية، فالإصرار على تحميل لبنان تبعات صراع شرق أوسط بكامله هو إشعال لفتيلٍ لن يتمكن أحد من السيطرة عليه، فالمملكة العربية السعودية تعرف أنّ الاستقرار في لبنان مطلوب لعدم تفجير مزيد من الأزمات والجبهات، والأهم من ذلك، أنه أبعد من العلاقات الاقتصادية والودائع، تبقى العلاقة التاريخية بين لبنان والمملكة العربية السعودية راسخة لا يمكن لأيّ كان مهما كان انتماؤه السياسي إنكارها، ويبقى موقف المجتمع اللبناني بكلّ أطيافه موحَّداً وثابتاً أنه لن تُهزم السعودية على أرض لبنان والأهم في قلوب اللبنانيين.

وأخيراً لا بدّ من التذكير بأنّ الدور الاساس والأهم للمملكة العربية السعودية هو نشر مفاهيم الإسلام المعتدل والرحيم والذي يمكنه أن يكون موجوداً وفاعلاً في كلّ مجتمعات العالم.

الإسلام المؤمن بالحياة المشتركة مع الآخرين وإذا لم تكن السعودية الحامي الاساس للأقليات في المنطقة، فمَن سيلعب هذا الدور؟ لبنان هو رسالة العرب للعالم وللمجتمعات الغربية بأنّ الحياة المشتركة مع الآخرين هو «اختراع» عربي مشرقي، فإذا كانت الاكثرية من المسيحيين في لبنان ترى أنّ شخصاً معيّناً مؤهّلاً للوصول الى رئاسة الجمهورية في لبنان، فهل هذا يُعتبر استعداءً للمملكة؟

إنّ الدور الاساس للمملكة خصوصاً في المشرق العربي هو مساعدة كلّ الأقليات للشعور بأنهم اصيلون على هذه الأرض والمحافظة عليهم ومنعهم من الهجرة والسماح لهم بلعب أدوار أساسية لنظهر للعالم كلّه أنّ شرقنا العظيم مهد الحضارات والإنسانية والأديان، ونحن الرسالة الحيّة للعالم كله.