IMLebanon

إنقاذ اليمن: مهمة خليجية  ..أم مسؤولية عربية؟

الحديث عمّا يجري في اليمن، ليس تدخلاً في الشؤون اليمنية، بقدر ما هو تعاطٍ مع مسألة عربية حسّاسة ومعقدة، ستكون لانعكاساتها السلبية آثار مدمرة ليس على الشعب اليمني الشقيق وحده، بل وأيضاً على الوضع العربي برمته، وخاصة وضع دول مجلس التعاون الخليجي.

الانقلاب الحوثي في اليمن ليس تطوراً يمكن حصوله بكبسة زر، وفي غفلة من الزمن، وهو بالتأكيد ليس «نزهة» بين صعدة وصنعاء، يمكن أن تكمل طريقها إلى المدن اليمنية الأخرى من الحديدة ومأرب شمالاً، إلى عدن جنوباً!

الإعلان الدستوري الحوثي ليس خطاباً تلفزيونياً، يُدير له اليمنيون ظهورهم عند انتهاء آخر كلماته، بقدر ما هو جرس إنذار خطير، لدخول بلاد «اليمن السعيد» مدار سلسلة حروب أهلية، قبائلية، مناطقية ومذهبية، تقضي على نصف قرن ونيّف من الاستقرار السياسي والاقتصادي، الذي عاشته البلاد في كنف النظام الجمهوري، بعد ثورة السلال عام 1963، التي أنهت عصر الإمامة، وأخرجت اليمن وشعبه من ظلامات القرون الوسطى.

ليس من السهل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في اليمن. بل هي مهمة شبه مستحيلة بالنسبة للحوثيين بالذات، لأن وضعهم الديمغرافي الأقلوي، لا يسمح لهم بالسيطرة على كل المناطق اليمنية، ولا سيما على المدن والموانئ الاستراتيجية، امتداداً إلى الشطر الجنوبي، المتمرد أساساً على الاختلالات الحاصلة في معادلات دولة الوحدة مع الشمال.

احتلال القصر الجمهوري في صنعاء، هو أشبه باحتلال مبنى الإذاعة في زمن الانقلابات، في الخمسينات والستينات، وما «الإعلان الدستوري» إلا البلاغ رقم واحد، الذي كان يذيعه الانقلابيون في تلك الفترة، ليعلنوا فيه استيلاءهم على السلطة، وحل جميع المؤسسات الدستورية، من مجلس وزراء الى مجلس نواب، إلى آخر تركيبات السلطة الحاكمة، وهذا ما قام به الحوثيون في أواسط العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين!

 * * *

يبدو أن الشعور بامتلاك «القوة المفرطة»، يورّط أصحابه بمغامرات سياسية وأمنية، تبدّد طاقاتهم، وتهدر إمكانياتهم، من دون أن يتمكنوا من تحقيق التفرّد بالسلطة، أو البقاء على رأس الدولة أطول فترة ممكنة، ولا حتى من دون ان يقدروا على إقصاء خصومهم، وإخراجهم من المعادلة الداخلية.

ويبدو أن الحوثيين لم يستفيدوا من تجارب غيرهم، ولا من دروس وعِبَر التاريخ، القديم منها والحديث، والتي تؤكد بأن محاولات التفرّد بالسلطة وإلغاء الآخر، غالباً ما تؤدي إلى حروب داخلية، نعرف كيف ومتى تبدأ، ولا أحد يستطيع أن يتأكد سلفاً متى وكيف يمكن أن تنتهي!

التظاهرات الشعبية السلمية التي خرجت في شوارع صنعاء، ومأرب والحديدة وغيرها من المدن اليمنية، والتي يقابلها مسلحو الحوثيين بالرصاص الحي في شوارع العاصمة يمكن أن تشكّل الشرارات الأولى لحرب أهلية تستمر عقوداً من الزمن، في مجتمع يعيش في بيئة قبلية، تغلب عليها التقاليد العشائرية، القائمة أساساً على الثأر والانتقام في مسلسل القتل والقتل المضاد.

 * * *

خطورة ما يجري في اليمن تكمن في امتداداته الخارجية، واعتباره جزءاً من الاشتباك الإقليمي المحتدم في المنطقة، والذي تشكّل فيه إيران محور تجاذب أساسياً.

وأخطر ما في هذا التمدّد الإيراني، أنه وصل إلى «الحديقة الأمامية» لدول مجلس التعاون الخليجي، وأصبح يُهدّد أمنها واستقرارها بشكل مباشر، وبأضعاف مضاعفة عمّا عليه النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ولبنان.

لم يعد ينفع النقاش الآن حول كيف سمحت الدول الخليجية بوصول الأوضاع في اليمن إلى هذا المستوى من التردي والانهيار، الذي سمح للحوثيين من الانقضاض على السلطة، بقوة السلاح، وفي وضح النهار!

المهم من الآن وصاعداً هو البحث عن الخطوات الخليجية الواجب اتخاذها للتصدّي للخطر الإيراني الزاحف من البوابة اليمنية.

الاجتماع الأوّل لدول مجلس التعاون أطلق الإنذار الأوّلي، لعل المجتمع الدولي، ومعه طهران، يبادرون إلى إعادة التوازن للسلطة اليمنية، ويعيدون اليمن إلى الشرعية الدستورية، عبر إلغاء كل القرارات والتدابير التي اتخذها الحوثيون، واعتبار استقالة الرئيس منصور وكأنها لم تكن، وكذلك قرارات ما سمي «اللجنة الثورية» التي قضت بحل مجلس النواب، والمؤسسات الدستورية الأخرى.

في حال استمر «التطنيش» الأميركي، ومعه الغربي طبعاً، على ما يجري في اليمن، على إيقاع تمدّد النفوذ الإيراني في خاصرة دول مجلس التعاون فهذا يعني ان البلد سينزلق إلى مهاوي حرب أهلية، تشتعل فيها الفتن العشائرية والمناطقية والمذهبية، على نحو ما يحصل في بلاد الرافدين وبلاد الشام، بعدما فلتت التنظيمات المتطرّفة من عقالها.

 * * *

ما يجري في اليمن يمكن أن يُشكّل فرصة لإعادة فتح قنوات الحوار بين طهران والعواصم الخليجية، وفي مقدمتها الرياض، في حال نظرت حكومة الرئيس روحاني بعيداً، وغلبت متطلبات علاقات حسن الجوار والمصالح الاستراتيجية مع الدول الخليجية العربية، على مغريات أية مكاسب آنية، استمراريتها والحفاظ عليها غير مضمونة النتائج.

أما في حال استمرار سياسات الاختراق والتحدّي الإيراني في اليمن، ودول أخرى في الإقليم، فهذا يعني ان الاشتباك الإقليمي مرشّح للتصعيد، والعلاقات العربية – الإيرانية مرشحة لمزيد من التعقيد!

 * * *

الحفاظ على عروبة اليمن، ووحدة شعبه وأراضيه ليست مهمة خليجية، بقدر ما هي مسؤولية عربية بامتياز، تتطلب تحركاً عربياً سريعاً على أكثر من مستوى دبلوماسي وسياسي وأمني. وهنا يأتي دور دول عربية بحجم مصر والجزائر والمغرب، لانتشال النظام العربي من الوهن الذي يعانيه، في ظل هذا العجز المتمادي لجامعة الدول العربية وأمانتها العامة!