IMLebanon

الإمتناع الأميركي: رسالة لنتنياهو والداخل الأميركي

 

وصلت رسالة الولايات المتحدة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر تمرير الأخيرة قرار مجلس الأمن أول من أمس بوقف النار في غزة والإفراج عن الرهائن، عن طريق امتناع بعثتها عن التصويت لمصلحة القرار أو عن معارضته. ولذلك كانت ردّة فعله حادّة، فألغى زيارة مستشاريه المقرّبين منه وزير الشؤون الإستراتيجية رون دريمر، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي إلى واشنطن للبحث في المرحلة المقبلة من العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.

 

إمتناع الجانب الأميركي كان كافياً لإبلاغ نتنياهو وحتّى الوزراء الأكثر تطرّفاً منه، مثل إتامار بن غفير وبتسائيل سموتريتش، بأن استخدام واشنطن الفيتو إزاء قرارات مجلس الأمن التي تزعج إسرائيل، ليس سياسة ثابتة أو مسألة بديهية، وأن الإدارة الأميركية قد ترى من مصلحتها تمرير قرارات حتّى لو لم تكن تعجب رئيس الوزراء الإسرائيلي. فهي رفعت الفيتو خلال الأشهر الخمسة الماضية أكثر من خمس مرّات حيال مشاريع قرارات قدّمتها روسيا والبرازيل والجزائر ودول أفريقية.

 

صيغة الامتناع الأميركي تعني تمرير القرار حتّى لو لم تكن تؤيّده (بحجّة أنه لم يتضمّن إدانة لحماس) لإفهام نتنياهو بأنّ الطريقة التي يخوض بها الحرب أضرّت بإدارة الرئيس جو بايدن انتخابياً وشعبياً، بفعل الحجم الهائل من القتلى المدنيين والدمار غير المسبوق في حروب العقود الماضية. وبهذا المعنى، يمكن تصنيف الامتناع الأميركي على أنه رسالة إلى الداخل الأميركي، بعدما اتّهمت أجنحة في الحزب الديموقراطي بايدن بأنه يسهّل أفعال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، ويشجّع عليها بتأييده الحرب التي تخوضها الدولة العبرية ويمدّها بالسلاح والدعمين السياسي والمالي. بلغ الأمر حدّ اتّهامه من قبل أعضاء فاعلين في مجلس الشيوخ من حزبه بأنه «يتردّد» في لجم الاندفاعة الإسرائيلية التي أضرّت بسمعة أميركا، وبأن تراخيه في ثني إسرائيل عن ارتكاب المجازر سيؤدّي إلى خسارته، والديموقراطيين معه، انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني المقبل. فالإدارة الأميركية تتّجه إلى أن تكون الوحيدة التي تدعم إسرائيل في المحفل الدبلوماسي الدولي، بعدما تراجعت بريطانيا عن استخدام حقّ الفيتو إلى جانبها حيال مشاريع القرارات بوقف الحرب. والدول الغربية التي اشتركت مع الدولة العظمى الأقوى في إجازة حرب نتنياهو على غزة تنبّهت إلى أضرار هذا الدعم داخل بلدانها نتيجة توسّع رقعة الرأي العام الساخط على الحرب وفظائعها. وهو توسّع يزداد كلّ يوم بعد رفع دعوى جنوب أفريقيا ضد انتهاك إسرائيل معاهدة مكافحة الإبادة الجماعية، أمام محكمة العدل الدولية. وتزامن التصويت على قرار مجلس الأمن أول من أمس مع صدور تقرير مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، والذي خلص إلى أن «هناك أسباباً منطقية» للقول إن إسرائيل ارتكبت العديد من «أعمال الإبادة»، لافتة أيضاً إلى «تطهير عرقي»، في غزة.

 

إقتصار الرسالة الأميركية المزدوجة عبر الامتناع عن الفيتو، على هدف أميركي داخلي، وآخر يتعلّق برفض نتنياهو الاستماع إلى نصائح واشنطن بتغيير طريقة الحرب، وبالسماح بدخول المساعدات الإنسانية، هو الذي يفسّر قول الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن تصويت بلاده على هذا الشكل لا يعني تغييراً في سياسة دعم إسرائيل. فالإدارة الأميركية ما زالت تؤكّد ليلاً نهاراً دعمها هدف تفكيك البنية العسكرية لـ»حماس»، رغم اقتناعها بأنه يستحيل تحقيق هدف القضاء على الحركة، عسكرياً وسياسياً.

 

كلّ ما تريده واشنطن من الجانب الإسرائيلي إضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية عن طريق البرّ إلى غزة، أن يمتنع الجيش عن اقتحام رفح لتجنّب المجازر في حق المدنيين، وأن تعتمد بدلاً من ذلك أسلوب العمليات الخاصة لاغتيال قادة «حماس» والقيام بضربات موضعية مبنيّة على معطيات استخبارية تساعد الأجهزة الأميركية في توفيرها، ضد تجمعات مقاتلي الحركة في القطاع، بدل عمليات الانتقام الجماعي التي تقوم بها وتقضي على المدنيين. لهذا السبب، اعتبر مسؤولون أميركيون، خلافاً للقانون الدولي، أن قرار مجلس الأمن «غير ملزم».