بوجهٍ طفولي، وعيون تنظر إلى الخلف، يلاقيك الياس سكاف بصوره المنتشرة على طول الطريق الممتدّة من شتورا إلى مدخل زحلة. إنّها وصيّة «البيك»: عروس البقاع أمانتي.
تحفظ ميريام سكاف هذه الجملة عن ظهر قلب، وتحاول أن تتكئ عليها في الانتخابات البلديّة، تماماً كما تحاول أن تعيد الرّوح إلى عناوين الحملات الإعلانيّة والانتخابيّة الاعتياديّة عند «السكافيين»: قرار زحلة يبقى في زحلة.
تكررها «الستّ» عشرات المرّات وهي تصعد الأدراج متوجّهةً نحو الطبقة الثانية من «مدرسة عرابي للصبيان» في المدينة. يتبعها الأنصار ويتحلّق حولها جوزيف وجبران. ترفض أن تخلع نظارتيها الشمسيتين إلا بعد وصولها إلى مدخل مبنى المدرسة. تدلي بصوتها، ثم تعود وتخبئ عينيها خلف نظارتيها لتزيدها غموضاً علّها تساعدها على التفكير أكثر بإجاباتها من دون أن تفضحها تعابير وجهها. تحتفظ لنفسها بابتسامة صفراء تسبق إجاباتها عن أي «سؤال خبيث».
تفكّر المرأة جيداً، ثم تجيب. لا تتفوّه بكلمةٍ من دون تفكير، وإن كانت تحاول إظهار قوّتها وتفوّقها في كلّ حرف خارجٍ من فمها. تعرف جيداً متى ترفع صوتها ومتى تخفضه حينما تكون سيرة الكلام: البيك.
ولذلك، تقصّدت أن تقول سكاف لمرافقيها على مسمع المحيطين بها: «ما تهتمّوا فيي أنا، اهتمّوا فيهن. جوزيف وجبران هني المستقبل»، هي التي تتقصّد أن لا تتنقّل خلال اليوم الانتخابي من دون أن يحيطا بها.
لم تكن رسالة سكاف بشأن ولديها عفويّة، وإنّما تقصّدت توجيهها إلى أهل المنزل وخارجه. قالت ما تريده ومشت، كما لو أنّها لم تفعل شيئاً، بل أكملت لتلوّح بكلتا يديها للنّساء الواقفات على الشرفة المقابلة، وأزاحت خدّها يمنة ويسرة وهي تتلقّى القبلات من المحبّات.
في الجهة المقابلة، كانت الكاميرات تتلقّف المشهد، وفتاة من مكتبها الإعلاميّ توثّق التحرّكات والمواقف.. لحظة بلحظة.
هكذا، كادت أن تنهي «الستّ ميريام» النتيجة لمصلحتها، لتردّ على كلّ محاولات إقفال منزل آل سكاف. استبقت فتح الصناديق، وحملت مفتاح القصر ورمته في جيب نجليها، لتؤكّد أنّ زعامة «الكتلة الشعبيّة» لن تندثر، بل ستعمد لتوريثها إلى جوزيف وجبران. هي رسالةٌ في أكثر من اتجاه.
تتصرّف سكاف كما لو أنّ «الزحالنة» لن يخذلوا آل سكاف، بل سيردّون الفضل للمرحوم. تصرّ على التصرّف كمنتصرة، وهي التي تحارب على أكثر من جبهة، من دون أن تقدّم تنازلاً يذكر.
تركت المرأة التي تتشح بالسّواد، «مدرسة عرابي» وراحت تتفقّد أقلام الاقتراع. سيارات رباعيّة الدّفع تسير في موكب واحد داخل أحد أزقّة حوش الأمراء. شعر سكاف يتطاير من شباك السيارة المفتوح، فيما جوزيف وجبران يتبادلان أطراف الحديث ويضحكان. تعود سكاف إلى مكتبها، حيث الأبواب مشرعة لكلّ من يرغب بالدّخول إليه.