IMLebanon

مزارع شبعا وإسمنت عين دارة في المشهد الإقليمي

 

تترنح الدولة اللبنانية وسط مجموعة من التّحديات الداخلية تبدأ بقانون الموازنة الذي يبدو أنّ نسخته الأولى لم تأتِ على قدر العناوين المعلنة ولا على مستوى آمال اللبنانيين، وبين ظهور بوادر التشظي السياسي الداخلي تجاه بعض القضايا التي اعتبر اللبنانيون أنّها أضحت من الثوابت أو البديهيات. قانون الموازنة لم يفلح سوى في مدّ يد الدولة الى جيوب المتقاعدين والميزانيات التشغيلية للوزارات، ولم يتطرق إلى تفعيل سيطرة الدولة على المرافق العامة وفي مقدّمها المرفأ والمطار والمعابر الحدودية البريّة وملف الأملاك البحرية وسواها من اقتطاعات القوى السياسية في الإقتصاد الوطني.

أما التشظّي الداخلي فعبّرت عنه من جهة مواقف رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، حول لبنانية مزارع شبعا وإعادة النقاش في المسألة إلى اللحظة التي توقّفت بها العام 1967 حين انتزعها العدو الإسرائيلي من الجيش السوري،بما يعيد طرح مسألة جدوى ومشروعيّة استمرار حزب الله بدوره المسلّح، ومن جهة أخرى تصريحات وزير الدفاع الوطني الياس أبو صعب المتقلّبة حول الإستراتيجية الدفاعيّة وعدم توفّر اللحظة المناسبة لمناقشتها. كلّ ذلك وسط قوافل صهاريج المحروقات التي تعبر الحدود الى سوريا بالرغم من التحذيرات الأميركية من محاولة الإلتفاف على العقوبات المفروضة على طهران.

بين الإصطفاف خلف قانون للموازنة خالٍ من أي بند إصلاحي حقيقي وإعادة طرح مسألة مشروعية المقاومة، لا بدّ من التوقف عند عددٍ من المتغيّرات الإقليمية الجديّة وأخذها بعين الإعتبار وتقدير مخاطر إدخال لبنان في آتون الصراعات لإعادة رسم خارطة النفوذ:

أولاً، إنتشار وحدات الجيش الأميركي في بغداد ومحيطها خارج المواقع العسكرية التقليدية منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى العراقفي ديسمبر الماضي، ترافقها وحدات من الجيش العراقي. تقوم هذه القوات بتفنيش المواقع والمنازل بحثاً عن قادة المليشيات التي تأسّست بعد فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني لمقاتلة تنظيم الدولة والتي شكّلت منذ صيف 2014 جزءاً من الحشد الشعبي، إلى جانب ذلك تستدعي القوات الأميركية بعض قادة فصائل الصحوة من أجل إعادتهم إلى العمل في وحدات عسكرية جديدة لنشرها في عدة محافظات.

ثانياً،إقفال قناة السويس أمام  ناقلات النفط الإيرانية المتّجهة الى سوريا تطبيقاً للعقوبات الأميركية، مما تسبّب بنقصٍ حادٍ في كميات المحروقات الواردة إلى سوريا، وفشل كلّ المحاولات لإقناع سلطات القاهرة بتمرير ناقلة واحدة، على حدّ كلام رئيس الوزراء السوري عماد خميس.الإقفال أكّده المستشار في وزارة الإقتصاد الإيرانية، ميثم صادقي الذي أوضح أنّ عدة ناقلات نفط عادت إلى إيران، من دون السماح لها بالعبور إلى سوريا عبر قناة السويس، يعكس إصراراً مصرياً على مجاراةالعقوبات التي لن تتردد واشنطن في فرضها على أي كيان أو فرد يحاول الإلتفاف عليها، كما يعكس عمق العلاقة بين الولايات المتّحدة ومصر التي وصفها الرئيس الاميركي بأنها لم تكن في يوم من الأيام أفضل حالاً مما هي عليه اليوم.

ثالثاً،ظهور بوادر متغيّرات عميقة على الساحة الفلسطينية إثر اقتراب موعد الإعلان عن صفقة القرن الأميركية في شهر حزيران القادم والتي تشمل إسقاط حكم حركة حماس في غزة وبسط السلطة سيطرتها على القطاع، دون أن  تكون حماس جزءاً من  المشهد. وفي هذا المجال يُمكن فهم النداء الذي وجّهه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنيّة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لتذليل العقبات وصياغة استراتيجية وطنية لمواجهة المخطط الأميركي.

وفي هذا الأطار كتب مبعوث الرئيس الأميركي للمفاوضات الدوليّة جيسون غرينبلات مقالاً مطوّلاً في صحيفة «نيويورك تايمز» في 22 نيسان حول المعاناة الإنسانيّة في قطاع غزّة، لا سيّما قلّة ساعات التيّار الكهربائي ونقص الأدوية وعدم توافر الوظائف، ورفوف المتاجر الخاويّة، فضلاً عن شاطئه المغطّى بالمياه القذرة، متهماً الحركة  بالتسبّب بهذه المعاناة، لأنّها تبنّت العنف ضدّ إسرائيل. غرينبلات ختم مقاله بالقول: لا يمكن مساعدة غزّة، إلاّ بسيناريوهين: إما  أن تغيب «حماس» عن المشهد أو تتّخذ الخيارات الضرورية لتحقيق الإستقرار والسلام، كنبذ العنف والإعتراف بإسرائيل.

أمام كلّ هذه المتغيّرات تتضح جسامة التهديدات التي يواجهها لبنان وجديّة المخاطر المترتبة عليها وجدوى الإستمرار في الذهاب نحو الإنتحار، ويُصبح ترحيل رخصة معمل إسمنت لبنان في عين دارة كجزءٍ من إقتصاد المقاومة ومسألة لبنانيّة مزارع شبعا من المشهد اللبناني الضيّق الى المشهد الإقليمي الأرحب، جزءاً من الإستراتيجية الدفاعيّة التي لا زلنا نحجم عن مقاربتها بمنطق الدولة….

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات