IMLebanon

الشرق: نصرالله يضع لبنان في بوز المدفع

على قلة الأصداء وردود الفعل الرسمية العلنية على الخطاب الذي ألقاه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والتي اقتصرت في معظمها على المناهضين له، فيما عمّ صمت قاتل الدولة المعنية مباشرة بما تضمنه لجهة نسف الحياد وسياسة النأي بالنفس المنصوص عليها في بيان الحكومة الوزاري من خلال جعله لبنان قاعدة عسكرية متقدمة لايران ومنصة للدفاع عنها في حال تعرضها لاي هجوم. ويتخذ موقف “السيّد” ابعاده الخطيرة في ضوء السخونة التي تتحكم بالعلاقات الاميركية- الايرانية الممكن ان تنزلق في اي لحظة الى مواجهات عسكرية، فتجر لبنان والحال هذه الى فوهة البركان المشتعل.

وتقول مصادر سيادية اذا كان من انقسام لبناني حول سلاح حزب الله ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة، فإن ثمة اجماعا عارما على سياسة الحياد التي نسفها نصرالله مختزلا القرار السيادي، من دون ان ينبس اي مسؤول في الدولة ببنت شفة، ما يعني تسليما بكلام السيد وقراراته لا سيما منها الحرب والسلم.

واللافت، ان كلام نصرالله التصعيدي تزامن مع وجود مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في بيروت وجولته على كبار المسؤولين بدءا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، وقبلهم رئيس الحكومة سعد الحريري. وقد واصل جولته على سائر القيادات اليوم. فاستقبله رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع، في معراب، يرافقه نائبه جويل رايبرن والسفيرة الأميركيّة في لبنان إليزابيث ريتشارد، في حضور: النائب ستريدا جعجع، مستشار رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” للعلاقات الدوليّة إيلي خوري ورئيس جهاز العلاقات الخارجيّة إيلي الهندي…ومن المقرر ان يعقد شينكر لقاء مع مجموعة من الاعلاميين في السفارة الاميركية، قبل ان يزور قصر بسترس حيث يستقبله وزير الخارجية جبران باسيل. وافادت مصادر مطلعة على جولة المسؤول الاميركي انها محض تعارفية واستطلاعية لاستكمال المهمة التي بدأها سلفه ديفيد ساترفيلد وانه لا يحمل اقتراحات جديدة للنقاش، غير انها اشارت الى ان الاجواء التي لمسها حتى الساعة ليست “بالمريحة”.

واذا كانت الوساطة الاميركية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين بيروت وتل ابيب أبرز ما يطرحه شينكر، فإن العقوبات الاميركية الاقتصادية ايضا حاضرة في محادثاته. وليس بعيدا، وفي حين أدرجت واشنطن في الساعات الماضية مسؤولين اضافيين أومقربين أو داعمين لحزب الله، على لائحتها السوداء، اكد الرئيس عون خلال استقباله، نائب رئيس الوزراء – وزير الاقتصاد والسياحة في اللوكسمبورغ ايتيان شنايدر، ان القطاع المصرفي هو من اقوى وانجح القطاعات في لبنان، مرحباً بكل تعاون يمكن ان يتم بين لبنان واللوكسمبورغ التي تتمتع بمزايا مالية واقتصادية جعلتها في موقع متقدم في المجال المصرفي. ولفت رئيس الجمهورية ضيفه الى ان الاستثمار في لبنان مجزٍ، لاسيما وان مشروع موازنة 2020 سوف يتضمن استكمالاً لرزمة من الاصلاحات الاساسية التي تساعد في تطوير الاقتصاد اللبناني وتعزيز فرص الاستثمار فيه وتفعيل سياحته التي شهدت هذه السنة موسماً جيداً. وقال ان فرص الاستثمار في لبنان ستكون متاحة من خلال سلة مشاريع انمائية واقتصادية سيضعها لبنان امام المستثمرين وفق توصيات مؤتمر “سيدر”، لافتا ان اصلاحات عدة تم اعتمادها لمواكبة فرص الاستثمار المتاحة.

في غضون ذلك، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة تشريعية في 24 أيلول لمناقشة بعض القوانين، كما وضع بري النواب، خلال لقاء الأربعاء في أجواء لقائه مع شينكر. وأكّد أن “من الضروري أخذ كلام نتانياهو حول ضم غور الاردن وشمال البحر الميت على محمل الجد، على اعتبار ان الاسرائيلي يكذب في كلّ شيء الا بالوعود الانتخابية”. واعتبر بري أن “لبنان ملتزم بتطبيق 1701 بينما العدو الاسرائيلي هو الذي ينتهك هذا القرار برا وبحرا وجوا”. وطلب بري من وزير المال علي حسن خليل تقديم مشروع الموازنة اليوم إلى الحكومة.

وفي السياق، بحث وزير المال مع المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في مجمل قضايا البلد الاقتصادية والمالية، لاسيما ما يتعلق بموازنة 2020 والإصلاحات التي تتضمّنها. وتطرق الجانبان إلى الوضع في الجنوب والخروقات الإسرائيلية المتكررة.

وسط هذه الاجواء، وفي شأن أمني- اقتصادي في آن، رأس رئيس الحكومة سعد الحريري اجتماعاً في السراي ضمّ وزراء: الداخلية ريّا الحسن، الدفاع الياس بو صعب، والمال علي حسن خليل وقادة الاجهزة الامنية لمناقشة موضوع التهريب على الحدود. وقال خليل قبل الاجتماع “سنناقش التدبير رقم 3 المتعلق بالقوى الأمنية”. اما المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم فقال “سنبحث في موضوع الحدود والتدبير رقم 3 والهدف سدّ كل الثغرات في موضوع التهريب والمعابر ونتوقع نتيجة فعالة”.

.. وكان وزير الدفاع بحث مع كوبيتش، في الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت بواسطة طائرتي استطلاع مسيرتين، باعتبار أنَّه الخرق الأخطر للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي منذ العام 2006، كونه مسّ بأمن المدنيين وشكَّل خطرًا على الملاحة الجوية. كما تم خلال اللقاء التداول في موضوع المساعدات التي يحتاج إليها لبنان لضبط المعابر غير الشرعيَّة بهدف منع التهريب على الحدود اللبنانية، وأبلغ الوزير بو صعب الضيف بأن مجلس الوزراء سيناقش استراتيجية الإدارة المتكاملة للحدود؛ الأمر الذي لقي ترحيبًا كبيرًا من جانب الضيف. وتطرق الطرفان إلى موضوع نفق السكة الحديد في الناقورة، وأبلغ بوصعب المنسق الأممي بأنّ لبنان سيرفع كتابًا رسميًّا إلى الأمم المتحدة يطلب فيه الحصول على تقرير مفصَّل حول ما يوجد داخل النفق المذكور نظرًا لبناء العدو الاسرائيلي جدارًا عند مدخله من الجانب اللبناني.

من جهة ثانية، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم في بعبدا برئاسة الرئيس عون، وحضور رئيس الحكومة ستبحث في جدول اعمال من 29 بندا ابرزها التعيينات القضائية. وليس بعيدا، قال نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني “نتمنى ان تضم اللائحة التي سترفع الى مجلس الوزراء مع السير الذاتية الاسماء كافة التي تستوفي الشروط بحسب القانون، ليتم الاختيار منها، وسيتّخذ القرار المناسب بناء على السير الذاتية عند الاطلاع عليها”. وكما بات معلوماً فان تفاهماً تم على المراكز الخمسة الشاغرة، وفق الآتي:-القاضي سهيل عبود لرئاسة مجلس القضاء الاعلى – القاضي غسان عويدات مدعي عام التمييز-القاضي فادي الياس رئيس مجلس شورى الدولة-القاضي جمال الخوري رئيس هيئة التشريع والقضايا -القاضية رولا جدايل مديرة عامة لوزارة العدل. واشارت المعلومات الى ان رئيس مجلس القضاء الحالي القاضي جان فهد سيعين رئيسا لمحكمة التمييز العسكرية.

خطاب نصر الله العاشورائي يثير الردود والمخاوف
يتصرف الكثير من السياسيين اللبنانيين لا بل الكثير من المواطنين كما لو ان السيد حسن نصر الله لم يقل شيئاً خطيراً، اذ في باطن نفسيتهم ميلاً للأمل بأن “الستاتيكو” سيبقى قائماً في صلب أسسه على الرغم مما يقوله “السيد” باعتدال او بحدة.

وبحسب مراقبين يعود ذلك اما لاعتقادهم بأن هناك معادلة سياسية او معادلة رعب تمنع تدهور الأوضاع بشكل خطير ومقلق، ويبررون النفس بما حصل أخيراً من تفجير في قلب الضاحية الجنوبية، وردود الفعل المتبادلة بشكل “مضبوط” الى حد كبير، اضافة لاسقاط المسيرة من دون تداعيات عسكرية تذكر.

ومن هذا المنطلق، اعتبر البعض كلام “السيد” “غير مقلق بشكل كبير” للاعتبارات التالية:
1- حديثه المباشر عن قرارات مجلس الامن وتحديداً القرار 1701 مؤكداً بأن “حزب الله” يعترف بهذا القرار، ويلتزم باحكامه كونه جزءاً من البيان الوزاري، وهذا أمر يسجل ايجابا في خانة الدولة اللبنانية والتزاماتها، على الرغم من تشكيك البعض في تفسير حزب الله الخاص لمندرجات هذا القرار.
2- مهما علت لهجة الخطاب السياسي يبقى في ذهنية المتابعين أن دينامية التفاوض الاميركي الايراني قائمة وأنه يصعب تصور حروب شاملة في مثل هذا الجو التفاوضي، وان كانت المرحلة يمكن ان تكون منفتحة على تبادل بعض رسائل العنف.
3- اعتبار الكلام بشأن اليمن لا يخرج عن اطار الكلام المعهود والعالي السقف والذي ورد في خطاباته السابقة، على الرغم من وجود اشارات مباشرة من الجانب الاميركي بشأن امكانية سعيه لايجاد حلول ديبلومايسة ليس فقط في موضوع الملف النووي الايراني إنما أيضاً في موضوع اليمن على حد سواء.

هذا ما دفع أحد قيادي 14 آذار الى القول إنه اذا ما حذفت الفقرة المتعلقة بإيران والتي اثارت الكثير من ردود الفعل المستهجنة فإن خطاب السيد نصر الله يبقى في اطار التأكيد على ان حزب الله سيكتفي بدور دفاعي بشأن سيادة لبنان وسلامة أراضيه وان كان مازال يربط لبنان بنتيجة دينامية الحرب والسلم المتفرعة عن الصراع ضد ايران.

وعلى الرغم من ذلك لم تخلو ردود الفعل المستعظمة والمستهجنة لكلمة نصر الله منها الكلام المتوقع من بعض قادة 14 اذار كالدكتور سمير جعجع الذي وضع الخطاب في رسم رئاسة الجمهورية، ومنها ما صدر عن القيادي في كتلة لبنان القوي النائب ميشال معوض الذي قال “ان كلام نصر الله يشكل خروجاً خطيراً عن الدستور والميثاق وعن أهمية تحييد لبنان عن نزاعات المنطقة ويعرض لبنان لمخاطر لا تحصى..

كذلك رصدت أحاديث نسبت الى عديد من الديبلوماسيين الاجانب والعرب المعتمدين في لبنان، يعبرون عن استيائهم لمضمون ولهجة “الخطاب العاشورائي”، ومؤكدين ان لبنان لا يمكن ان ينهض اذا ما بقي الحكم منقسماً بين حكومة تسعى لادارة الشأن العام، وتحييد لبنان عن مشاكل المنطقة، وقوة موازية تتبع منطق مختلف عن منطق الدولة، ومرتبطة باعتبارات واجندات خارجية.