IMLebanon

الشيخ سامي وبائع الطرابيش

 

كرهنا الكلام على السياسة والخساسة والرئاسة، وعلى كل الفواجع المآسي التي أصابت هذا البلد المنكوب.

وكرهنا الإستماع الى أهل السياسة وهم يتشدَّقون بالكلام المعسول. . . كلّهم يـمرّغون ألسنتهم بالعسل، ويخفون في أطرافها إبَـر النحل والعلقم المـرّ.

ولكثرة ما سمعنا من الكذب والتكاذب والكذَّابين والأنبياء الكذبة والسياسيين الدجالين، أصبحنا نحن اللبنانيين أصحاب خبرة واختصاص في اكتشاف سياسة الألاعيب، فلا يخفى علينا افتضاح الأكاذيب في كلام أي سياسي بمجرد أن نتفرَّس في وجهه ونحدّق الى عينيه.

الشيخ سامي الجميل، أياً يكن رأيك فيه، يعجبك أو يُغْضبك، تستهويه أو تستعديه، تـؤيده أو تعارضه، لا تستطيع أن تنكر عليه، أنه كلّما نطَـق صدَق، وإلاّ فقد تكون كمن يكذب على نفسه.

ولا تستطيع إلا أن تستشفَّ من نبرة صوت جريئة، براءة ما يراه الحقيقة، فلا يغلِّف رأياً، ولا يبطّن خبثاً، ولا يضمر عكس ما يعلن.

الا نعترف أن لبنان منذ الإستقلال حتى اليوم كان فريسة المراوغة السياسية وبهلوانياتها، وكان ضحية الكذب السياسي، والكذب الوطني، والكذب الديني، والكذب الأخلاقي.

«الكذب ملْح الرجال . . واليد التي لا تقوى عليها قبّلها وادعُ لها بالكسر»، بهذا كان يستشهد الشيخ بيار الجميل جدّ الشيخ سامي الجميل، كلما شاء التنديد بسياسة الرياء والدجَل.

الممارسة السياسية التي ورثناها، وأَلِفْناها، وربينا على ثقافتها منذ الإستقلال، هي سياسة المخادعة والإحتيال، كأنما هي وصايا يتلّقفها الخلف عن السلف، بما ينشأُ عليه بطل المقامات في الروايات كمثل ما يطالعك بطل مقامات الشيخ ناصيف اليازجي بالقول:

الصدقُ إنْ ألقاكَ فوقَ العَطَبِ

لا خيرَ فيه فاعْـتَصِمْ بالكذبِ

بمثلِ هذا كانَ يوصيني أبي

هل نستغرب مع هذا، أن يكون أبطال المقامات السياسية عندنا، قد أوصلوا لبنان الرجل المريض الى دولة الهيكل العظمي في متاحف الأمم . . .؟

وهل نستغرب ما وصل إليه لبنان بفعل فلسفة الكذب، ذلك المذهب الميكيافيلي الذي يفرض على رجال الدولة «أن يتخلّوا عن القانون الأخلاقي ويكونوا مستعدين للكذب والسلب والقتل قدر ما يرون في ذلك مصلحة للدولة». .؟

لقد آن الأوان أيها الميكيافيليون أن تفسحوا المجال للشباب الذي يتحلى بالقانون الأخلاقي، ويكفي ما أسديتموه في سبيل مصلحة الدولة، من مآثر وكفانا أن نظلّ عرضة لما جاء في قصة القرود وبائع الطرابيش التي قرأناها يوم كنا أطفالاً.