IMLebanon

عرضُ عضلاتٍ روسيّ من دون نتيجة

على خلاف ما يظنّ كثرٌ من مراقبي أوضاع الحرب في سوريا، لن يغيّر التحرّكُ الروسي العسكري موازين القوى على أرض الواقع، ولو تضاعف حجمُ المساعدات العسكرية التي تشحنها روسيا بحراً وجواً إلى النظام السوري، وحتى لو بادرت الطائرات الحربية الروسية إلى ضربِ المواقع التي يسيطر عليها تنظيمُ الدولة الإسلامية في سوريا.

ومَن يربط بين الإنجازات العسكرية التي حققها القطبُ الروسي في شبه جزيرة القرم وبين ما يمكن أن يحققه في سوريا فهو مخطئٌ حتماً، لأنّ الأمرَ مختلف والمسافة الجغرافية التي تفصل بين روسيا وسوريا أبعد بكثير من المسافة التي تفصل بين روسيا وأوكرانيا وسيكون مبالَغاً التفكير بأنّ الروس سيكون بإستطاعتهم حشد ما يحتاجونه من الجنود والأسلحة الثقيلة لخَوْض عمليات برّية تؤدي إلى تعزيز نتائج الحرب لمصلحة نظام حليفهم بشار الأسد، لأنّ ذلك يتجاوز قدراتِهم من حيث «كلفة» النقل وتأمين استمرارية هؤلاء الجنود والأسلحة.

وربما لم ينسَ الروس تجربتهم في بداية حربهم مع الشيشان التي أرسلوا فيها مجموعاتٍ صغيرة كما يفعلون اليوم في سوريا، فأدّت إلى هزائمَ مُذلّة، وبالتالي شكّل لهم ذلك دروساً صعبة.

من المرجّح أنْ لا يتجاوز التدخل العسكري الروسي الضربات الجوّية لمواقع «داعش» بواسطة مقاتلاتٍ تنطلق من القاعدة التي تتحدث الاستخباراتُ الأميركية عن انشائها في اللاذقية، مع كتيبة مشاة لحماية هذه القاعدة. لكنّ خبراءَ عسكريين شككوا بفاعلية هذه الضربات إن حصلت في غياب المعلومات الاستخباريّة العالية الدقة، ولن يؤدّي هذا التحرّك إلّا إلى عرض عضلات لروسيا بهدف إثبات قدرتها على إدارة الصراع في سوريا.

أما الرهان الروسي بأنّ دعمَ الأسد بأحدث الأسلحة الروسية سيرجّح الكفّة لمصلحته ويعزّز وضعه التفاوضي فليس دقيقاً بتاتاً، وقد أثبتت الوقائع تراجعَ القوات الموالية للأسد في مختلف المحافظات، رغم أن الجمهورية الإيرانية الإسلاميّة والميليشيات التابعة لها لم تقصّر في تقديم الأسلحة المتطوّرة والمشارَكة في القتال ميدانياً إلّا أنّ ذلك لم يغيّر في المعادلات العسكرية على الأرض، بل استمرّ الأسد في مسيرته التراجعيّة.

موضوعياً لا تختلف الإستراتيجيّةُ الروسية عن الإستراتيجيّة الأميركية في إدارة الصراع في سوريا، من حيث دعم المعارضة السورية بالسلاح مباشرة أو على نحوٍ غيرِ مباشر أيْ بواسطة الحلفاء، من دون التورّط في عملياتٍ برّية والإكتفاء مع حلفائها بضرب «داعش» جوّياً، فكانت النتيجة المزيد من توسّع «التنظيم» المتطرّف!

وها هي روسيا تعتمد النهجَ ذاته من دون أن تحسب بأنّ أداءها سيؤدّي إلى مزيدٍ من الإستنزاف على طريقة «الحرب الباردة» لأنّ خصومَها الدَوليين والإقليميين كالولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربية السعودية وقطر وآخرين لن يقفوا مكتوفين أمام مشهدِ تفوّق الأسد إن حصل، وسيبادرون إلى دعم فصائل المعارضة السورية بما يكفي لإطالةِ الحرب و«ممانعة» تغييرِ موازين القوى، الأمر الذي يُنذرُ بالأسوأ. أما مَن سيتجرّأ على إقحام نفسه في حروب برّية، فسيكون مصيرُه الغرق في الوحول السورية على الطريقة الفيتنامية والأفغانية، مهما عظمت قوّته.