IMLebanon

إذاً… فليفاوِض «حزب الله» لإطلاق العسكريّين

يقترب ملف العسكريّين المخطوفين من شهره الخامس، فيما يسود القلق من مفاجأة… الشهيد الخامس! فماذا ينتظر العقل اللبناني الرسمي للمسارعة إلى إنهاء الملف بخسائر الحدّ الأدنى، أي بتلك التي وقعت، والتوقف عن المغامرة… أو المقامرة بالعسكريّين؟

حتى اليوم، لا تحظى «هيئة العلماء المسلمين» بالغطاء الرسمي لتبدأ مفاوضاتها لإطلاق العسكريين، علماً أنها نجحت في بدايات الملف في إنقاذ عسكريين كانوا في قبضة «النصرة». والمثير مثلاً هو القول: إنّ «التيار الوطني الحرّ» هو المتشدِّد إزاء الملف ودور «العلماء المسلمين»!

فـ«التيار» العاجز، من موقعه المسيحي، عن التقرير في مسائل سياسية- دستورية، كالتمديد للمجلس النيابي ورئاسة الجمهورية، ولا يُطاع في ملف النازحين السوريين… بات «متهماً» بأنه يتحكّم بملف هو جزءٌ من الصراع المذهبي الواسع، ومن صراع الأجهزة الإقليمية والدولية؟

ويبدو أنّ «التيار» يُستخدم عنواناً لتغطية التعطيل في ملف العسكريين المخطوفين، كما في تعطيل الإستحقاقات الدستورية، فيما القوة الحقيقية القادرة على اتخاذ موقف في ملف التفاوض هي «حزب الله».

وواضح أنّ «الحزب»، وفيما يتفرَّج على إرباك الحكومة في الملف، يقدِّم لها البراهين على جدارته في مجال المقايضة السرّية والسريعة. وفيما يعترض «الحزب» على دور «العلماء»، بسبب مواقفهم السلبية منه ومن تورّطه في سوريا، يحضّر الأرضية ربما للإستفادة من عجز الحكومة. فهناك جبهة مفتوحة اليوم بين «داعش» والدولة اللبنانية، ولكنْ هناك خطوطٌ مفتوحة بين «داعش» و»حزب الله».

ويدرك الجميع أنّ لبنان لا يملك الحرية في إجراء مقايضة «عشوائية» بين المخطوفين والموقوفين، فيما الأجهزة الكبرى تزوّده بالمعلومات والتقارير عن الخلايا الإرهابية، وهو ينفِّذ عمليات الدهم والتوقيف بناء عليها.

أما القوى الإقليمية المذهبية، التي يعتمد لبنان عليها للتوسُّط، فتبدو مهتمّة بمصالحها فقط، وليس بمصير العسكريين اللبنانيين. وثمّة دول عربية ترغب في أن تشمل الصفقة رعايا مخطوفين في سوريا قبل أي شيء آخر. أمّا تركيا فتريد أن ترفع إلى الحدّ الأقصى سِعْرَ تدخُّلها… إذا فشل الجميع ولجأوا إليها في نهاية المطاف.

وهكذا، لا قيمة للمفاوضات والوساطات الإعتباطية التي تلجأ إليها الحكومة اللبنانية، بل هي مكلفة، وثمنها مزيد من الشهداء. وهنا، يصبح لزاماً على الحكومة أن تسارع إلى مفاوضات جريئة وجدّية وسريعة وحاسمة، اليوم وليس غداً. أمّا استمرار الإرتباك فيعني أن «الرأس» اللبناني الرسمي كَرَّس نفسه «رجلاً مريضاً»، يتقاسم الآخرون ميراثه قبل أن يفارق الحياة!

فالجميع مشارِكٌ في الحكومة، والجميع ينجح خارجها. وفي الأيام الأخيرة، وفيما «حزب الله» يتفرّج على الإرباك الرسمي، أنجزَ مقايضتين مع ألدِّ أعدائه: مع «النصرة» حرّر أحد عناصره، ومع «داعش» تسلّم جثمانَيْ عنصرين.

فإذا لم يبادر لبنان الرسمي، عليه أن يكون جريئاً على الأقل في الإعلان عن عجزه، وأن يذهب مباشرة إلى قرار بتسليم أمره للقوى صاحبة الحلّ والربط، إذ لا شيء يمكن أن يخسره لبنان أكبر من الخسارة المعنوية والمادية التي تكلّفه الظهور بلا قرار ولا كرامة… وتكلّفه حياة العسكريين. وفي صريح العبارة: فلتترك الحكومة هذا الملف عندئذٍ، لتُحيله إلى المتصارعين أنفسهم لكي يحلّوا مشاكلهم بأنفسهم!

أي فلتفوّض الحكومة اللبنانية «هيئة العلماء المسلمين» و»حزب الله» أن يدخلا معاً في مفاوضات مباشرة لإنهاء الملف. وأساساً، لن تنطلق «الهيئة» في وساطتها، ولن تنجح ما دام «الحزب» معترضاً عليها ومستفيداً من عجزها وعجز الحكومة.

في هذه الحال، ستأتي «الهيئة» ومعها مَن تمثِّلهم، لتفاوِض «حزب الله» ونظام الرئيس بشّار الأسد. وعندئذٍ، سيتفاوض هؤلاء على المخطوفين والموقوفين والمعتقلين والأسرى، وعلى الجزر الأمنية من الهرمل- عرسال والقلمون وطرابلس إلى عين الحلوة وسواها… وربما إلى ما هو أبعد مِن ذلك بكثير.

ستكون مفاوضات مضنية وطويلة، لكنها ستكون بين أطراف قادرين على اتخاذ قرار، فيما الدولة عاجزة. فهل تبادر الدولة إلى خطوة جريئة وسريعة وحاسمة وتثبِت أنها موجودة، أم تنسحب من اللعبة… ويكون انسحابها عظيماً؟