IMLebanon

بعضٌ من معوقات تأليف الحكومة

يظنّ البعض أنّ ولادة الحكومة ربّما تكون قد تأخّرت بفعل السجال الذي طرأ أمس بين بعبدا وعين التينة وبين البطريركية المارونية والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حول شرعية التمديد لمجلس النواب، وحول حقيبة وزارة المال، وهو سجال فاجَأ الجميع وطرح علامات استفهام حول أبعاده والخلفيات، في الوقت الذي كان منتظراً للحكومة أن تولد مساء الأربعاء أو في الأمس.

وإذ يحرص رئيس مجلس النواب نبيه بري على الفصل بين هذا السجال وبين تأليف الحكومة التي ما يزال يدفع في اتجاه ولادتها قبل عيد الاستقلال، فإنّ فريقاً من السياسيين يتخوّف من ان يكون ما حصل مؤشراً على ما يمكن ان يكون عليه مستقبل العلاقة بين بعبدا وعين التينة، وربّما غيرها أيضاً في قابل الايام.

ويبدو انّ ما يعوق ولادة الحكومة هو الخلاف على توزيع بعض الحقائب من جهة وعلى تمثيل بعض القوى السياسية التي ترغب في ان يكون تمثيلها وازناً من جهة أخرى، فضلاً عن قوى اخرى تُبدي رغبة في ان تكون حصتها كبرى بحجّة انّها كانت “رافعة” في انتخاب رئيس الجمهورية.

وتوحي الأجواء والمعطيات انّ الرأي قد “استقرّ” على حكومة الـ 24 وزيراً، خصوصاً أنّ الرئيس المكلف سعد الحريري ابلغَ الى بري في لقائهما الاخير انّه يرغب في ان تكون حكومته هي نفسها حكومة الرئيس تمام سلام مع إجراء بعض “الرتوش” او التعديلات الطفيفة عليها بتغيير بعض الاسماء والحقائب، ولكن عند البحث في التفاصيل لا تغيب فكرة الحكومة الثلاثينية التي كان اتُفِق عليها مبدئياً إثر التكليف على قاعدة تحقيق أوسع تمثيل للقوى السياسية، فتكون في هذه الحال “حكومة جامعة” حسب التعبير الذي يستخدمه المعنيون بالتأليف.

ومن العقبات التي تعترض التأليف تمثيلُ تيار “المردة” بحقيبة يريدها رئيس التيار النائب سليمان فرنجية ان تكون اساسية، اي خدماتية ووازنة، فعُرِضَت عليه وزارة التربية فرفضَها، ولكن بري الذي يتمسّك بتمثيل “المردة” أبلغَ الى الحريري انّه حاضر لإقناع فرنجية بهذه الحقيبة الاساسية إذا شكّلت العقدة الاخيرة التي تعوق التأليف، وإنْ كان البعض لمّح الى احتمال ان يأخذها بري لحركة “أمل”، على أن يعطي فرنجية في مقابلها وزارة الأشغال، إذا كان هذا الامر يرضيه.

ولكنْ ما إن شاع هذا الامر، مع أنّه لم يحصل، حتى بدأ البعض يسرّب انّ حقيبة الأشغال ستكون من حصة “القوات اللبنانية”، ما ولّدَ انطباعاً بأنّها تعترض على نَيل “المردة” حقيبةً خدماتية من هذا النوع.

وفي السياق نفسه تبرز عقدة تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي لا يخفي حزب الله وحلفاؤه حماستَهم له، فالبعض يقول إنّ هذا التمثيل صعب في تشكيلة الـ 24 وزيراً إذا أُريدَ أن يكون الوزير القومي مسيحياً، والمقصود هنا النائب أسعد حردان، وإنّ الامر قد يكون متيسّراً في حكومة ثلاثينية، خصوصاً إذا رغب رئيس الجمهورية في تسمية وزيرين ضمن حصته، أحدهما شيعي والآخر سنّي، بحيث يمكن عندئذ ان يكون حردان بديلاً “للوزير الشيعي الرئاسي”، وفي الوقت نفسه يكون النائب السابق غطاس خوري الذي يريد الحريري توزيرَه بديلاً “للوزير السنّي الرئاسي” والمقصود به الوزير السابق فيصل كرامي الذي زار بعبدا أمس. ويقال ان بري والحريري توافَقا في لقائهما الاخير على ان يكون لكل منهما وزيرٌ مسيحيّ مقابل الوزيرين الشيعي والسنّي “الرئاسيَين”.

وثمّة من يقول إنّه في حال استقرّت الحكومة على 24 وزيراً فإنّ الوزير القومي قد يكون من ضمن الحصة الشيعية، فيكون رئيس الحزب الوزير السابق علي قانصو، أو أحد قادته قاسم صالح.

أمّا تمثيل حزب الكتائب فهو لم يرسُ على حقيبة معيّنة بعد، وإن كان يتردّد أنّه يرغب بوزارة الصناعة، في الوقت الذي تشهد الحصة الوزارية المسيحية خلطَ أوراق يُظهر أنّ “حصة الأسد” فيها ستكون لـ”التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”.

فالتيار يتّكئ على حصة الرئيس ويَعتبر أنّها ستكون رافداً أو “قيمة مضافة” إلى حصته، فيما “القوات” تعتبر أنّ نَيلها “حصة حرزانة”، تؤمّن لها قوّة تدفع في الانتخابات المقبلة معوّلةً على التحالف الانتخابي بينها وبين “التيار”.

فضلاً عن انّها تعتبر ايّ حقائب وزارية اساسية تحتلّها في الحكومة العتيدة تؤهلها لتبوُّء مثلها أو أكبر في حكومة ما بعد الانتخابات، خصوصاً إذا تمكّنت بالتحالف مع التيار من الفوز بعدد كبير من المقاعد النيابية المسيحية.

على أنّ التشكيلات الوزارية المتداولة والبالغة 24 وزيراً حالياً، تُظهر انّ حصة “القوات” محصورة بمقعدين من حصّة الطائفة الأرثوذكسية البالغة 3 مقاعد، وكذلك أحد مقعدي الطائفة الكاثوليكية، وإن كانت تعتبر انّ لها حصّة غير مباشرة بهذين المقعدين، الارثوذكسي (أنطوان شديد أو غيره في وزارة الدفاع) والكاثوليكي (ميشال فرعون أو غيره في وزارة السياحة).

ولا يظهر في هذه التشكيلات الوزارية وجود ايّ وزير لـ”القوات” في الحصة المارونية التي تبدو موزّعة بين التيار الوطني الحر (3 وزراء) والمردة (وزير واحد) وحزب الكتائب (وزير واحد).

أمّا التمثيل السنّي البادي من التشكيلات المطروحة والبالغ أربعة مقاعد الى جانب موقع رئيس الحكومة، فيستأثّر به تيار “المستقبل” بكامله، اللهمّ

إلّا في حال توزير رئيس الجمهورية لفيصل كرامي. فيما حركة “أمل” وحزب الله يستأثران بحصة التمثيل الشيعي البالغة خمسة وزراء.

أمّا في ما يتعلق بالتمثيل الدرزي البالغ مقعدين لوزيرين، فلا مشكلة فيه عند النائب وليد جنبلاط الذي سمّى لهما مروان حمادة وأيمن شقير بدلاً من النائب طلال ارسلان الذي أيّد جنبلاط توزيرَه شخصياً عندما طرِحت فكرة الحكومة الثلاثينية، والبعض يقول إنّه قد يُبقي على ارسلان.

وثمّة نقاش لم يُحسَم بعد في موضوع تمثيل الأرمن والأقليات في حكومة الـ24 وزيراً، فالبعض يقترح ان يكون للأرمن وزيران أحدهما رئيس حزب الطاشناق النائب آغوب بقرادونيان والآخر النائب جان اوغاسبيان، فيما البعض الآخر يقترح ان يكون للارمن ولحزب الطاشناق تحديداً وزير واحد، اي بقرادونيان، على ان تمثَّل الاقليات بالوزير الآخر، ويقال إنّ التيار الوطني الحر يرشّح له حبيب افرام.

وفي حال العودة الى الحكومة الثلاثينية فإنّها ستتضمّن 6 وزراء دولة، يقول رئيس مجلس النواب إنّ هؤلاء “جاهزون ولا عقَد تعترض توزيرَهم”، فتَكبر بهم حصّة غالبية الطوائف، ويصبح لكلّ من الموارنة والسنّة والشيعة 6 وزراء، وللأرثوذكس أربعة، وللكاثوليك ثلاثة، وللدروز ثلاثة، ووزير لكلّ مِن الارمن والأقليات.

وفي انتظار حسمِ العقَد التي تعترض التأليف، فإنّ الاتصالات الجارية ستحدّد مصير الحكومة، بين أن تولد في ايّ وقت من اليوم وحتى عيد الاستقلال الثلاثاء أو بعده، اي قبَيل عيد الميلاد ورأس السنة، وفي هذه الحال يتبيّن ما إذا كان ما حصَل في بكركي هو بداية “عاصفة سياسية” ستأخذ مداها وقد تؤخّر التأليف أو يكون غيمة صيف عابرة، خصوصاً أنّ بري حرصَ على الفصل بين هذا الأمر وبين تأليف الحكومة، مؤكّداً أن “لا علاقة لهذا بذاك”.