IMLebanon

قواعد لعبة عُمرها نصف قرن

 

منذ زمن بعيد، إعتادت السلطة اللبنانية إغفال ما يجري على الحدود الجنوبية. لُزِّمتْ تلك الحدود للفصائل الفلسطينية بعد اتفاق القاهرة في 1969، وبعد اندلاع الحروب الداخلية في 1975 تطوّر ذلك التلزيم، بحيث جعل منظّمة التحرير وإسرائيل يعقدان اتفاقاً لوقف إطلاق النار في تموز 1981، من دون عِلم لبنان!

 

طوال العهد الفلسطيني كان الخطاب الرسمي يُكرّر إدانته للعدوان الاسرائيلي، من دون أن يُتعِب نفسه في تدقيق الوقائع، أو البحث عن بداية جديدة. والجملة الإعلامية الوحيدة التي كانت تُستعمل في وصف الأحداث كانت تُصاغ كالتالي: قصف جيش الإحتلال قرى… الخ، وكانت القوات الوطنية قد وجّهت بضعة صواريخ الى مواقع الكيان الصهيوني. لم يبحث الرسميون عن الحقيقة، وشوّه كثيرون الكشف عنها.

 

بعد اجتياح 1982 واحتلال اسرائيل الواسع للبنان، نشأت مقاومة وطنية طبيعية لذلك الإحتلال، قبل أن تضع ايران، بالتحالف مع النظام السوري، يدها على الموضوع. وعندما سحب ايهود باراك جيشه من الجنوب في أيار 2000، أسفر الإرتباك الإيراني ـ السوري ـ الإسرائيلي عن ابتداع صيغة المزارع المحتلّة، لإبقاء جذوة المقاومة حيّة إحتياطاً لاحتمالات المستقبل.

 

قيل للسلطة اللبنانية في حينه انّ تحرير المزارع يستدعي بقاء حزب طائفي مُمَوّل من دولة إقليمية على جهوزيته وتسليحه، وأنّ عليها تكريس ذلك في وثائقها من بيانات وزارية الى سياسات دولية وعربية.

 

والتزمت السلطة مثلما التزمت سابقاً بتكرار المطالبة بتنفيذ القرار 425 لدى أي مطالبة لها ببسط سلطتها في الجنوب، والتزمت الأحزاب اللبنانية عموماً بالخطاب المفروض، ولم يخرج أحد مُستنكراً خصخصة المقاومة، ولم يتنطّح طائفي أو مذهبي، على كثرتهم، لإنشاء ميليشيا القدّوس لتحرير جبل الروس، أو جيش البجعة لاستعادة مزارع شبعا.

 

انّه مسارٌ مستمر منذ نصف قرن. سلطة خارجية تتحكّم بالحدود، وسلطة ذاتية تتهجّأ ما يُطلب اليها قوله، لا فرق في ذلك إن تبدّلت الظروف، أو كان الناس على حافة الجوع.

 

كان يُفترض بالحكومة القائمة أن تُخصّص اجتماعها الأخير لبحث ما جرى ويجري على الحدود الجنوبية، فتستمع الى تقارير الأجهزة الأمنية وتوصياتها، وربّما تستدعي “حزب الله” وممثّليه للإدلاء بما لديهم… لكنّها لم تفعل ذلك، عملاً بقواعد لعبة موروثة منذ نصف قرن، اضافت اليها في اجتهاد غير مسبوق، هجوماً على وزير الخارجية الفرنسي وتشكيكاً بالأجهزة الأمنية والقضائية.

 

والحصيلة، أنّ لبنان يواصل ضياعه من حيث بدأ في السبعينات، بقيادة رُعاة تخريبه وإسقاطه.