IMLebanon

السياسة …احتراف صناعة التسويات

 

تبسيط القضية السيادية حرك المواجع في ذاكرة الاجيال المتعاقبة والمحبطة لعدم قيام الدولة السيادية الحقيقية في لبنان نتيجة الشعبوية السياسية التي عبثت ولا تزال باسباب وبديهيات الدولة السيادية طوال مئة عام، حيث كانت السيادة ومعانيها اسيرة الاستخدامات الانية الصغيرة، والانتخابات الاخيرة شهدت مناشدات مكثفة لاستعادة السيادة واعتبارها إرثًا لبنانيًا عميقًا يتعرض للانتهاك نتيجة تغول داخلي او تدخل خارجي من شقيق او صديق او حليف او عدو، والفكرة السيادية هي حلم لبناني قديم عصي على التحقق وليست ارث سياسي عريق .

الدولة الوطنية السيادية تقوم على احترام السيادة الكيانية الجغرافية والمجتمعية والفردية والثقافية والقانونية والدستورية، وجميعها منتهكة في لبنان بالوصايات الخارجية المتعاقبة والمتنوعة والمتواصلة او بالخصوصيات الطائفية والمذهبية والميثاقية والاعراف الفوق دستورية والغير سيادية، مما يضع النواب السياديين الجدد امام تحديات سيادية قبل ان يدخلوا في متاهات نواب انتخابات ١٩٩٢ التي تميزت بتغيير الكثير من الوجوه والاسماء، كقوة تغييرية لكنها لم تستطع ان تحدث اي مضمون تغييري نتيجة قوة النظام الطائفي الذي استطاع على مدى مئة عام ان يجدد ذاته عبر تغيير الوجوه والاسماء لأن المرشحين المنتخبين على اساس القانون الطائفي قد تطوعوا لتمثيل تلك الطوائف بالندوة البرلمانية مما يساهم في تجديد النظام الطائفي ويجعل العملية التغييرية مهمة مستحيلة والنواب التغييرين والسياديين الجدد هم امام تحدي مواجهة نظام الطوائف والوصايات وابتكار نظام سيادي محرر من الوصايات والقيد الطائفي.

المسؤولية الوطنية تستدعي التفكير بتحديد المشاكل البنيوية والمعرفية ودقة استخدام التعابير العامة واعادة تعريف الجماعة السيادية وضرورة التمييز بين التغيير والتجديد وضرورة تأسيس اكاديميات سياسية من اجل التدريب على احتراف التسويات واحترامها وجعلها ثقافة وطنية، ولا بد من وجود نخبة وطنية تعمل على انجاز مراجعة دقيقة وموثقة بالشواهد والاحداث وتسمية الاشياء باسمائها دون مواربة او التباس وتحديد الاكلاف الباهظه التي دفعها اللبنانيين نتيجة الوصايات والاحتلالات وانتهاك السيادة اللبنانية من قبل الابناء والاشقاء والاصدقاء والحلفاء والاعداء.

ان عملية الخلاص الوطني تتطلب وجود نخبة وطنية قادرة على قيادة عملية الانصاف والمصالحة بين المركز والاطراف وادارة الحوار بين مكونات السلطة ومقومات الدولة الوطنية وبين الضحايا والجلادين من المليشيات والمصارف على حد سواء، نخبة تمتلك رؤية تشاركية جامعة وحاضنة وقادرة على صناعة تسويات خلاقة تجعل من المكونات المتصارعة والمتكارهة والمتكاذبة ان تطمئن للتحولات التغييرية، والنخبة الانتخابية الجديدة تحتاج الى بلورة رؤية واضحة واعتبار الانتخابات تسوية سياسية تحتم على من يخوضها تقبل نتائجها والتحرر من التعابير الشعبوية وتبسيط الامور المعقدة واعتبار التسويات مؤامرات مما يعكس حالة من الضمور السياسي لأن ألف… باء السياسة هي القدرة على ابتكار التسويات الضرورية لادارة الشأن العام وكذلك على مستوى العلاقات الانسانية، التسويات ضرورية بين الازواج والاولاد والجيران والاصدقاء و بين الفرد وذاته وبين المشاعر والرغبات والقدرات وفي العمل والبيع والشراء وتربية الحيوانات وتحديات المناخ الوجودية، وبغياب التسويات ندخل في حالات النزاع وادبياتها وادواتها، وبالتسويات يتحقق الانتظام والاستقرار والسياسة… احتراف صناعة التسويات.