IMLebanon

تساقطات حرب إسرائيل وحماس وحزب الله على لبنان

 

للحرب حساباتها والتي يفترض اجراؤها من قبل المتخاصمين قبل اتخاذ القرار بدخولها، وبالتالي لا بدّ من احتساب الارباح والخسائر المترتبة عليها، وعلى أساس هذه النتائح يقرر الافرقاء موقفهم من الانزلاق إليها، أو البحث عن وسيلة أخرى محل الازمة التي تدفع نحو النزاع المسلح.

لكن في لبنان فإن الانقسامات الداخلية، وإرتهان بعض القوى السياسية للخارج، يشكلان سبباً مباشراً لتغييب قدرة الدولة على اتخاذ قرار السلم والحرب، وبالتالي هدر السيادة الوطنية وتركها عرضة للانتهاك من قبل قوى الامر الواقع، والتي تدار في أغلب الاحيان من قبل قوى اقليمية أو دولية أو الاثنين معاً.

 

لن نذهب بعيداً لاستعراض الحروب والنزاعات التي واجهها لبنان منذ الاستقلال وإلى وقتنا الحاضر، والتي غاب فيها قرار الدولة في قضايا السلم والحرب، بل نكتفي بالحديث عن غياب الدولة الكامل عن قرار الحرب في عامي 2006 و 20023 .

في عام 2006 قرر حزب الله بمفرده نصب كمين لدورية اسرائيلية، وإلى خطف جنديين (تبين انهما جثتان لجنديين قتلا في الكمين)، وقد أدى ذلك إلى نشوب حرب مدمرة تسببت بمقتل ما يقارب 1400 مواطن لبناني وإلى تدمير جزء لا يستهان به من البنى التحتية اللبنانية وخصوصاً جميع الجسور الهامة بالاضافة إلى محطات تحويل الطاقة، وتهجير ما يقارب 250  الف مواطن من قراهم ومدنهم. لكن صمود حزب الله على خطوط القتال في الجنوب، مع الخسائر التي أنزلها في صفوف القوات الاسرائيلية البرية المهاجمة، بالاضافة إلى الدعم العربي ودعم اصدقاء لبنان، فقد فشلت اسرائيل في تحقيق اهدافها العسكرية والسياسية التي خططت لها، وأبرزها تفكيك حزب الله عسكرياً، وفرض شروطها وهيمنتها على لبنان وعلى قراره الوطني، ونتيجة هذه الظروف مجتمعة فقد جاء القرار الدولي رقم 1701 لصالح لبنان، وبما يفتح الطريق لإمكانية استعادة الدولة اللبنانية لسيادتها على حدودها الجنوبية من خلال نشر الجيش اللبناني على طول الحدود، بعد اعتماد الخط الازرق كخط فاصل بين الكيان الاسرائيلي ولبنان.

 

بعد هجوم حماس على المستعمرات والمستوطنات الاسرائيلية في غلاف غزة بتاريخ 7 تشرين اول الماضي، قرر حزب الله، منفرداً، المشاركة في القتال ضد المواقع الاسرائيلية بدءاً من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتوسيع هذه العمليات لتشمل جميع القطاعات العسكرية على طول الخط الازرق، هذا الامر قد أعلنه وأكده أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بأن قراره جاء لنصرة غزة، ولإجبار اسرائيل على نشر قواها العسكرية على الجبهة الشمالية، وربما يؤدي إلى تخفيف ضغوطها العسكرية على القطاع وضد حماس بعد أن حدد رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو بأن هدفه من الحرب يركز على تدمير حماس وبنيتها العسكرية والحكومية، واسترجاع الاسرى الموجودين لديها، بالاضافة إلى الاعلان عن نيته لتهجير سكان غزة بشكل نهائي، إلى سيناء، الامر الذي رفضته كلياً مصر.

 

اتخذ حزب الله قراره بدخول الحرب دون علم أو أية مشاركة من قبل مؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها قيادة الجيش، والتي تنتشر قواتها على طول الخط الازرق، جنباً إلى جنب مع قوات اليونيفيل. وكان اللافت ان السيد نصر الله قد غيّب في خطابيه المتلفزين أثناء الحرب حتى ذكر «الثلاثية الذهبية» والتي تقول بأن مهمة الدفاع عن لبنان هي «مسؤولية مشتركة للجيش والشعب والمقاومة»، والتي كان يصرُّ الحزب على تضمينها بجميع البيانات الحكومية.

وليس من باب المغالاة يمكن القول بأن تجاهل حزب الله للدولة ولحقها في السيادة، ولدور الجيش في مهمته الدفاعية عن الحدود، لم يكن من باب النسيان، بل يؤشر إلى نوايا حزب الله إلى فرض هيمنته الكاملة على الوضعين السياسي والامني، وبالتالي إلى محاولة استغلال نتائج الحرب الراهنة لفرض مرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية، مع استبعاد البحث عن أي مرشح آخر.

لا شك ان حزب الله يدرك تماماً بأنه ليس هناك من مصلحة للبنان وشعب الجنوب في الدخول إلى غمار الحرب إلى جانب حماس، في الوقت الذي رفضت فيه جميع الدول العربية المحيطة باسرائيل، والتي سبق لها ودخلت في حروب سابقة مع اسرائيل لنصرة فلسطين وشعبها، التدخل في مسار الحرب بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حيث اقتصرت نشاطاتها على اعلان مواقف سياسية داعمة للشعب في غزة، بالاضافة إلى المطالبة بادخال المساعدات الانسانية والطبية إلى القطاع، وشكلت القمة العربية والاسلامية التي عقدت في الرياض بدعوة من المملكة العربية السعودية وما صدر عنها من قرارات هامة، أبرز ما قدمته المملكة لنصرة شعب غزة.

من المؤكد بأن مشاركة حزب الله في الحرب تأتي كنتيجة لقرار توحيد الجبهات التي يسيطر عليها محور المقاومة والممانعة، والذي تهيمن عليه ايران، وهذا ما يفسر اطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين باتجاه اسرائيل، والتي جرى اعتراضها من قبل السفن الاميركية المنتشرة في البحر الاحمر، وتظهر الارادة الايرانية في تحريك هذه الجبهات ضد اسرائيل والولايات المتحدة من خلال الهجمات التي تشنها الميليشيات العراقية الخاضعة لايران ضد التواجد والقواعد الاميركية في العراق وفي التنف وفي شمالي شرقي سوريا .

لا شك بأن كُلاًّ من حزب الله وايران قد رسما خطاً أحمر يتمثل في منع اسرائيل والولايات المتحدة من تفكيك حماس كتنظيم عسكري، بالاضافة إلى الحفاظ على هيمنة حماس على القطاع، مع التأكيد على منع تهجير السكان إلى خارج القطاع، ويبدو أنه في ظل التعنت الاسرائيلي، والرفض الاميركي لوقف اطلاق النار خلال اسقاط جميع المشاريع الاميركية لوقف العمليات العسكرية في مجلس الامن الدولي، فإن الحرب ستطول لأسابيع أو لأشهر عديدة، وبما يفتح الباب لإمكانية خروج مواجهات حزب الله مع الجيش الاسرائيلي من قواعد الاشتباك المعهودة، والانزلاق إلى مواجهة شاملة، وتعريض بالتالي لبنان إلى كل عمليات «القتل الاعمى» والدمار التي تشهدها غزة، وهذا تحديداً ما توعد به لبنان كل من نتانياهو ووزير دفاعه غالنت.

من التساقطات المباشرة لتجاهل حزب الله لحق الدولة السيادي على أراضيها وحدودها فتح الباب لتنظيم حماس في لبنان الظهور كقوة عسكرية تملك حرية العمل العسكري من الاراضي اللبنانية واطلاق رشقات من الصواريخ باتجاه الداخل الاسرائيلي، وبعمليات اختراق لمقاتليها للخط الازرق، والذي يشكل انتهاكاً صارخاً للسيادة اللبنانية، كما يفتح الباب لعودة المنظمات الفلسطينية الاخرى للعودة للعمل المقاوم من لبنان، ويعيد هذا الامر الوضع إلى ما كان عليه من فلتان أمني داخل لبنان قبل صيف عام 1982. مع توقع ردود فعل اسرائيلية مشابهة للغارات التي تجري داخل سوريا سيعود حزب الله بعد انتهاء الحرب إلى الداخل اللبناني كحركة مقاومة لبنانية واقليمية، وبما يبعد عنه الاتهامات بأنه فريق شيعي وميليشياوي يهدد مناطق ومصالح الطائفة السنية في لبنان، وسيفتح هذا الامر جميع الابواب للتوسع في نفوذه ووجوده العسكري إلى كل المناطق اللبنانية، سنية كانت أو مسيحية.

ستعزز نتائج حرب غزة إذا فشلت اسرائيل في القضاء على حماس وجود وقدرات حزب الله كقوة مقاومة على المستويين اللبناني والاقليمي، هذا بالاضافة إلى تحول جميع قوى الممانعة إلى كتلة موحدة، الامر الذي سيزيد من قدرات الحزب على ردع الاعتداءات الاسرائيلية مع تهديد أمن الكيان الاسرائيلي بشكل فعلي، وستؤمن قوة الردع هذه مظلة حماية للحزب ضد العدوان الاسرائيلي، وفي مواجهة خصومه اللبنانيين في الداخل، لكن سيبقى عامل الردع هذا عاجماً غير مسؤول بحيث تتحمل الدولة اللبنانية كامل الخسائر الاقتصادية التي ستنتج عن أي حرب جديدة بين الحزب واسرائيل.