IMLebanon

طعنٌ في الظهر

يحمل ضبّاط وعناصر الجيش وقوى الأمن والأجهزة دماءَهم على كفوفهم في مطاردة الإرهابيين، في سباقٍ يكاد لا ينتهي، في حروب خفيّة من الكرّ والفرّ لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً.

ويُغالب اللبنانيون معاناتهم الطويلة من الأوضاع المتردّية اقتصادياً وبيئياً وخدماتياً وفساداً، ويَعقدون آمالاً على ما يحقّقه هؤلاء الفدائيون بلحمِهم الحيّ من إنجازات في العمليات الاستباقية وكشفِ الإرهابيين وتفكيك شبكاتهم وسَوقهم إلى العدالة، في سبيل الأمن والاستقرار، ويحلمون في بناء دولةٍ عصرية على قدر آمالهم وطموحاتهم، خصوصاً بعد تجاوزِ أزمة الشغور والتعطيل، وانتخابِ رئيس جديد للجمهورية، وتشكيلِ حكومة وعودة الحياة التشريعية.

ويذهب رئيس الجمهورية ميشال عون إلى السعودية وقطر ليكسرَ جليد المرحلة المتوتّرة السابقة مع دول الخليج، ويعودَ بوعودٍ وآمال، في عودةٍ تدريجية للاستثمارات والسيّاح إلى لبنان.

وفي لحظةٍ، تُفجَّر كلُّ الآمال، وتُطاح كلُّ الجهود في جريمتين مختلفتين في الشكل ومتكاملتين في النتائج المدمّرة، على رغمِ فشلِهما في تحقيق أهدافهما، وهما الجريمة الإرهابية التي كانت تستهدف شارع الحمرا، وجريمة خطفِ السيّد سعد ريشا في البقاع، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: في الواقع، لا تقلّ عملية خطفِ ريشا خطورةً في نتائجها وتداعياتها عن العملية الإرهابية التي كادت أن توديَ بحياة مواطنين أبرياء في الحمرا لولا نجاح مخابرات الجيش وشعبةِ المعلومات في قوى الأمن الداخلي في إحباطها والقبض على المتورّط بها.

ثانياً: تضرب العمليتان كلَّ مناخات الأمن والاستقرار، وتطيحان كلَّ مساعي تشجيع عودة الاستثمارات والسيّاح إلى لبنان، خصوصاً بعد الآمال التي عُقدت على زيارة رئيس الجمهورية للسعودية وقطر في هذا الشأن.

ثالثاً: لا يجوز التعامل مع جرائم الخطف طمعاً بفدية ماليّة بعد اليوم بأقلّ من اعتبارها جرائمَ إرهابية تهدّد أمنَ الدولة وهيبتها ومصالحَها الاقتصادية، وتتكامل مع العمليات الإرهابية في زعزعة الاستقرار وتشويهِ صورة لبنان وتقديمِه كبلد تَسوده الفوضى وشريعة الغاب.

رابعاً: تُشكّل جرائم الخطف طعنةً في الظهر للجيش والقوى الأمنية في هذا التوقيت، وإلهاءً مجانياً واستنزافاً لقدرات المؤسسات العسكرية والأمنية التي بدل أن تركّز كلَّ جهودها على مكافحة الإرهاب في أشرس حربٍ يشهدها القرن الحادي والعشرون ليس في لبنان فقط وإنّما في كلّ دول العالم، تضطرّ إلى وضعِ خططٍ أمنية وتكليفِ مئات الضبّاط والعناصر لتنفيذها لمحاربة ظاهرةِ الخطف.

أمّا أسلوب التعامل مع ممتَهِني جرائم الخطف بميوعة فلن يردع هؤلاء الإرهابيين عن مواصلة استهداف المواطنين وخطفِهم وإرهابهم وترويع ذويهم، بل على العكس، سيزيدهم تشجيعاً على التمادي في جرائمهم، غيرَ هيّابين حساباً ولا عقاباً.

لذلك، لا بدّ من مساواة الخطفِ بالإرهاب، وضربِ الخاطفين بيدٍ من حديد، كما على مجلس النواب إعادة النظر في توصيف عمليات الخطف وتعديلِ قانون العقوبات، ولا سيّما منه المواد 569 وما يليها، بحيث تنزل أشدّ العقوبات بالخاطفين بهدفِ ردعِهم عن استسهال ارتكاب مِثل هذه الجرائم، خصوصاً وأنّ القانون الحالي ينصّ على أن «في حال أُطلِق سراح المخطوف عفواً، أي بإرادة الخاطف، خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، تُخفَّض العقوبة لتصبح من ستّة أشهر إلى ثلاث سنوات.