IMLebanon

وظائف الدولة في مهب الكيديات!

 

 

إنها مرحلة الغليان في المنطقة ككل، ولبنان ليس بحال أفضل! فبعد مرور قطوع المحكمة الدولية بأقل ضرر ممكن، إذ حيّد الرئيس الحريري عملية تشكيل الحكومة عن قرارات المحكمة الاتهامية والتي أشارت إلى تورّط عناصر من «حزب الله» في اغتيال الرئيس الشهيد… إلا أن هذه الخطوة لم تضع حداً للحرب الداخلية التي أعلنتها القوى المحلية على أنها وجودية، تهدف إلى تكريس أمر واقع ضمن معركة الأحجام مهما كلّف الأمر وبأي ثمن كان أو ساحة متاحة كانت!

فعادت ذكريات الخطف على الهوية البغيضة بشكل الصرف من الوظيفة، على الهوية، كما سمّته إحدى وسائل الإعلام، حيث لم تعد الكيدية تميّز بين درجات الموظفين وجدوى صرفهم أو نقلهم وما لذلك من تأثيرات سلبية على انتظام العمل في المؤسسات. فتحوّل الوزير، السلطة الأعلى في الوزارة، والذي يفترض أنه حامي الدستور والمسؤول عن إنتاجية الموظفين ودورة العمل، إلى جلاد للموظفين ومعطل لدورة العمل، والذي يستخدم صلاحياته لإلغاء الآخر ورسم حدود وهمية لقوة فريقه ومدى بطشه!

فأي إصلاح وأية دولة مؤسسات حيث يحرص المسؤولون على إلغاء الإيمان والانتماء للوطن، وترسيخ الطائفية كمرجع أول وأخير؟ وأية انطلاقة عهد في ظل الشحن المستمر والرسائل السلبية التي يرسلها التيار في كل الاتجاهات من منطلق القوة التي تتفوق على منطق الدولة والدستور؟

وماذا سيكون مصير محاولات الرئيس المكلف تجاوز الخلافات وصولاً لتشكيل حكومة تُحيّد لبنان عن براكين المنطقة وتضمن الحد الأدنى من وحدة الموقف في هذه الظروف الدقيقة، وتعيد بعضاً من الثقة الدولية في الطبقة السياسية التي ذاع صيتها بالفساد، لما لذلك من تأثير على عودة الحياة إلى العجلة الاقتصادية، إذا لم يلاقيه الشركاء في الوطن، والمسؤولية حول نجاح أو فشل تشكيل الحكومة وبالتالي نجاح العهد؟

وما الجدوى من التجارة بإلغاء الطائفية السياسية عن بطاقة الهوية في حين يُمعن المسؤولون بترسيخ مفهومها في عقول قاعدتهم الشعبية أولاً وموظفي الدولة ثانياً؟ وأين المصلحة العامة حيث يتباهى الوزراء بخدمة أبناء طوائفهم، ويتمادى شدّ العصب الطائفي عند أول استحقاق؟ وكيف السبيل للخروج من هذا المنطق السقيم إذا ما بقيت وظائف الدولة، على مختلف درجاتها، أسيرة الطائفية بما أنها المعيار الأول والأخير للتوظيف، في حين تبقى الكفاءة والجدارة حبراً على ورق التجارة السياسية؟

في حين يستبيح فريق معين الإدارات بناء على شعوره بفائض قوة، ويواجهه الفريق الآخر بكل الوسائل المتاحة لتعطيل هذه الممارسات، تبقى الدولة ومؤسساتها أسيرة هذا الاشتباك السياسي ويبقى الوطن مشلولاً عاجزاً عن تحقيق الحد الأدنى من مقومات الصمود في وجه العواصف المقبلة، ولا مخرج من هذا الواقع المتردي سوى تدخل رئيس الجمهورية المباشر، كونه حامي الدستور وصاحب لقب «بيّ الكل»، ليقف على مسافة واحدة من الجميع ويرفع الظلم عن أصغر موظف قبل أصحاب الدرجات العليا، لأنه بذلك يُنقذ ما تبقى من إيمان بالوطن وانتماء للمؤسسات وليس للأشخاص ويكون قدوة بالترفع عن الارتباطات الخاصة عندما تكون مصلحة الوطن على المحك، فيكرّس مفهوم الدولة والانتماء لها أولاً وأخيراً.