IMLebanon

دولة «خصْخَصَت» أمنها… وقرارها!

… وهكذا يستنجد اللبنانيون بـ«القناصل» لإخراجهم من العجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية: الفرنسي والروسي والإتحاد أوروبي راهناً، والأميركي والسعودي والإيراني… والسوري دائماً. في ملف الرئاسة، وصايةٌ من زمان. ولكن المهزلة، المغمَّسة بالدم، هي البازار المفتوح في ملف العسكريين المخطوفين.

لا أحدَ يفهم اللغز الكامن وراءَ الإرباك الرسمي في ملف العسكريين. فالحكومة دارت دورة كاملة حول نفسها، لأشهر عدة. وخلالها مارس الإرهابيون الإبتزاز، ودفع الثمن أربعة عسكريين، والآخرون مهدَّدون، ثم عادت الحكومة إلى حيث إنطلقت.

من جديد، عادت الكرة إلى «هيئة العلماء المسلمين» التي عادت من حيث توقفت قبل أشهر، لتكرِّر شروطها: «نريد تفويضاً رسمياً». أما الحكومة فصامتة. فلا هي تستغني عن «العلماء المسلمين» ولا تستعين بهم. وحتى اليوم، هي لا تُفاوِض، ولا تُفوِّض، ولا تَزيح من درب الذين يَعرضون التفاوض… فماذا تريد إذاً!

في الأيام الأولى للخطف، كان لبنان خارجاً من مواجهة مكلفة مع «داعش» و«النصرة» في عرسال. وعندما طرح الخاطفون شروطهم، كان الجانب اللبناني واقعاً تحت تأثير الصدمة. ولذلك، كان الإرباك مبرَّراً، فلم يسبق أن عاشت حكومة لبنانية أزمة مخطوفين عسكريين بهذا الحجم، وفي أيدي المجموعات الأشدّ إرهابية في العالم.

في البداية، لم يشأ لبنان الرسمي أن يمنح «هيئة العلماء» «كارت بلانش»، ربما لإقتناع بعض المسؤولين بأنّها ليست جمعية خيرية. وعندما تمتلك أيّ هيئة أوراق التفويض والتفاوض حصراً، فلا أحدَ يستطيع أن يتوقع النتائج. وهذا التشكيك قد يكون في محله أو لا يكون، ولكن، على المشكِّكين أن تكون لهم البدائل.

خلال أشهر، لعبت الحكومة مجموعة أوراق، قادت إلى إستشهاد أربعة عسكريين. وبقيت تتأرجح بين التشدُّد والليونة إزاء شروط الخاطفين. فهي أرسلت إليهم إشارات متناقضة، بين المرونة والتشدُّد في ملفات الموقوفين. لكنّ الخاطفين واصلوا نهج الإبتزاز، تحت طائلة تصفية العسكريين وإرهاب ذويهم إلى حدِّ إرهاقهم.

وعبثاً، لجأت الحكومة إلى قطر، على رغم كلّ الشبهات في كونها الداعم الأساس لـ«داعش». ولم تسفر الإستعانة بقطر عن أيّ نتيجة. وعندما توقفت الوساطة، تردَّد أنّ ما كان يهمُّ القطريين هو إطلاق سجينة من سجون دمشق… أما العسكريون فمسألةٌ يمكنها الإنتظار.

وفي الخضم، كان مذهلاً أن يتسلّل «حزب الله» إلى حضن التفاوض مع «داعش»، من دون أن يكشفه أحد، ويُبرم صفقة للتبادل: عنصر من «الحزب» مقابل آخرين… يُقال إنهم كانوا لدى جهاتٍ رسمية. وحسناً فعل «الحزب» بإنقاذ لبناني من أيدي «داعش»، ولكن، هل «الجهات الرسمية» مستعدة لإطلاق «داعشيين» من أجل عنصر من «الحزب»، لكنها لا تفعل ذلك لإنقاذ عسكرييها؟

ينتقد الرئيس نبيه برّي هذا التخبُّطَ الرسمي، ويقول: «فلنعطِ الخبزَ للخباز»! والخباز الذي يقصده هو الأجهزة الأمنية المعنية وذات الخبرة.

لكنّ الأجهزة الأمنية ليست جمهورية قائمة في ذاتها، لها إستقلال قرارها، بل هي خاضعة للقرار السياسي. وهذا القرار هو العلّة الأساس.

وعلى الحكومة اللبنانية أن تتعاطى مع الملف في واقعية ووضوح وجرأة، على غرار ما يفعل «حزب الله»، بدلاً من تجيير دورها لقوى في الداخل والخارج… قد لا ترى من الملف سوى ما يناسب مصلحتها. لكن المؤكد أنّ هذه الدولة يُراد لها أن تبقى شبهَ دولة: دولة «خصْخَصَت» أمنها وقرارها. دولة خَصَت سيادتها وكرامتها!