في كل محطة تنهار فيها جبهة من جبهات محور المُمانعة ويفقد فيها السيطرة على إحدى الساحات المُصادرة من قبله، يلجأ إلى استراتيجية بث أجواء الفتن والفوضى، سعياً لتفجير الأوضاع في تلك الساحات التي خسرها، ممّا يدلّ على عدم حرصه على سلامة ومصالح الشعوب التي حكمها، بل حرصه الدائم هو على استمرارية استغلاله لقدراتها وعلى تمسّكه بتأمين مصالحه الأيديولوجية وحساباته اللاشرعية، ومعتمداً لأجل إنجاح مخططاته على دفع الفئات المختلفة إلى التطرف المتبادل، وعلى إيقاظ الصراعات بالتمويل للأعمال التخريبية.
وفي كل مرّة تتحرّر فيها الشعوب من سطوته وتتخلّص من إرهابه، يدفع بفصائله وأجهزته السرّية للتسلّل إلى الأزقة والشوارع والأحياء والبيئات المختلفة لإثارة القلاقل وتضخيم الأحداث والاستفادة من عواقبها. وهذا فعلياً ما تواجهه اليوم الساحة السورية، وقد تتعرض له أيضاً الساحة اللبنانية بعد انتصار مشروع بناء الدولة فيها، بانتخاب رئيس أعلن من خلال خطاب القسم عناوين جريئة وتاريخية، تُصنّف في نهج بناء دولة المواطنية الصحيحة.
ومع التحوّل الجذري الذي يشهده لبنان، يعمد مسؤولو مشروع الدمار الساقط، إلى التحفّظ في تصاريحهم حول خططهم المستقبلية لمواجهة الانهزام، ولكن بالرغم من ذلك يُطلقون ما يكفي من كلام، مما يدل على عدم قدرتهم لإجراء مراجعة ذاتية حول المسار الذي ألزموا به اللبنانيين، على مدى أكثر من عشرين سنة، والذي أودى بهذا البلد وبالدول المجاورة التي سيطروا عليها إلى الخراب والدمار والحروب العبثية. وبما أن هذا المحور لا يُتقِن، كما دلّت أعماله خلال السنوات المنصرمة، إلّا القتل والتدمير والاغتيالات وهدر دماء المعارضين له، وتقويض القدرات الوطنية والتعدّي على سيادات الدول، فإنه يُدخل نفسه الآن في مرحلة الهروب إلى الامام حيث ينكشف فيها أكثر وأكثر خداعه واستغلاله للشعارات الكاذبة.
وما يقضّ مضاجعه في اللحظة الحالية في لبنان، التكاتف الذي تحقّق بين العدد الأكبر من ممثّلي الشعب وأحزابه خلف انتخاب رئيس جديد للبنان، آتٍ بخطاب قسم سيادي إصلاحي، صفّق له اللبنانيون في منازلهم وعلى الطرقات، كما صفّق طويلاً للعناوين التي حملها، ممثّلو الشعب في المجلس البرلماني اللبناني، وخاصة عند ذكر دور الدولة الحصري في تحرير الأراضي الوطنية المحتلة، وفي حق الدولة بحصرية السلاح، وفي اعتبار كل سلاح خارج الأجهزة الشرعية هو بعداد سلاح غير شرعي وغير قانوني، وقد زاد الطين بلّة على هذا الفريق، تعهّد الرئيس المنتخب بمنع التهريب بكل أنواعه، وحفظ سلامة الدول المجاورة للبنان، والبعيدة عنه، من تلك الأعمال غير القانونية، واستبدالها بتصدير العلم والثقافة اللبنانية إلى العالم أجمع، مع استعادة القدرات الإنتاجية إلى لبنان، لكي تفخر ببلدها الأجيال القادمة.
سقوط محور الفتن بات حتمياً، مع صعود مشروع الدولة، وبالرغم من التكابر على الحقائق الذي يُمارسه رموز هذا المشروع التجهيلي للحقائق، وانتهاء صلاحيات أذرعه وأبواقه، بات على الشعب اللبناني الذي عقد العزيمة للتحرّر، أن يدعم رئيساً منتخباً لتحقيق مشروع بناء دولة القانون، ففقط الدولة من أمامنا، ومشروع الفتن المتهالك من خلفنا، وأي يد ستتجرأ لإثارة الفتن، فلن تحصل على فتن، بل ستكون هي اليد المخالفة للقوانين، وستحاكم.