IMLebanon

«عاصفة الحزم» تُطيح بسيناريوهات دول الممانعة لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي

إدارة أوباما أخطأت في النظرة إلى العرب كعاجزين… والمفاجأة بروز قوة عربية شابة مؤثرة

«عاصفة الحزم» تُطيح بسيناريوهات دول الممانعة لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي

العد العكسي لتراجع قوة إيران ونفوذها قد بدأ… لكن المواجهة طويلة!

لا يزال من الصعوبة بمكان على «محور الممانعة» الاقتناع بأن ما بعد «عاصفة الحزم» ليس كما قبله. وَقْعُ الصدمة لا يزال ثقيلاً، إذ أن المفاجأة لم تكن في الحسبان ولا متوقعة. ظنّت إيران وأذرعتها  الميليشياوية في العراق وسوريا ولبنان واليمن أن بمقدورهم التمدّد وتحقيق المزيد من المكاسب العسكرية في خضم مفاوضات طهران حول ملفها النووي مع الولايات المتحدة الأميركية،  اللاهث رئيسها إلى تحقيق إنجاز تاريخي يرتبط باسمه، والذي سبق أن غض الطرف عن التدخل الإيراني في دول المنطقة، لا بل سهّل صمته اندفاعة طهران. حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، إذ جاءت «عاصفة الحزم» لتغيّر الكثير من المعادلات، ليس فقط الإقليمية، بل والدولية أيضاً.

نظرت إدارة باراك أوباما إلى الدول العربية، ولا سيما إلى الحلفاء الخليجيين الاستراتيجيين، نظرة العاجز عن المواجهة والإمساك بزمام المبادرة واستخدام القوة، وبنت سياستها على هذا الأساس، وعلى ما أسمته «القوة الشيعية الصاعدة» من دون أن تقرأ جيداً معنى التحوّلات التي حصلت في مصر يوم الإطاحة بـ «الإخوان المسلمين»، الذين تحالف معهم البيت الأبيض، وقبلها يوم دخلت قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين دفاعاً عن أمنها وأمن الخليج فيما كانت دوائر القرار الأميركي تدعم المعارضة البحرينية متماهية مع «الربيع العربي»، ومتجاهلة الأجندة الإيرانية فيها. وأسهمت من خلال سياستها  في العراق، التي آلت إلى وضع إيران يدها عليه، ومن خلال ترددها في سوريا بعد انتفاضة شعبها والتغاضي عن تورّط إيران وميليشياتها في الحرب الدائرة هناك، إلى تأجيج واستعار الحرب المذهبية وخلق بيئة ملائمة لبروز قوى وتنظيمات جهادية «متطرفة» من عرب وأجانب، واجتذابهم إلى ساحات الصراع المفتوحة بعدما كانت، لعقد من الزمن، تخوض حرباً ضد المتطرفين تحت عنوان: «مكافحة الإرهاب».

ورغم أن كثيراً من التحليلات ترى أن إدارة أوباما، بسياستها، حققت ما أرادته، سواء في استنزاف مالي وعسكري لإيران أسهَم في زيادة عبئها الاقتصادي الواقع تحت سيف العقوبات الدولية وجعلها مطواعة حيال برنامجها النووي، أو في إشغال المتطرفين في صراع مذهبي طويل الأمد في المنطقة يُبعد عنها خطرهم، ويؤول إلى إضعاف الجميع والتوصل في نهاية المطاف إلى حلول قائمة على كيانات عرقية ومذهبية، فإن التحليلات المقابلة اليوم ترى أن «عاصفة الحزم»، بما تشكله من يقظة عربية وقوة عسكرية وسياسية، أعادت التوازن في المنطقة الذي اختل بفعل التغلغل الإيراني إلى بيئتها ونسجيها الاجتماعي ومكوناتها المذهبية، بهدف فرض نفسها قوة إقليمية ولاعباً وشريكاً مقرراً في سياسات دولها.

لم تتيقن الولايات المتحدة، ولا إيران وحليفتها روسيا، تماما كما الغرب، من أن أجيالاً عربية شابة قيادية أضحت راهناً تشكل جزءاً من منظومة القرار العربي، وأن الشارع العربي السنّي كان مأزوماً ليس بفعل قصور قيادته عن فهم متطلبات الدول العصرية من انفتاح ونشرٍ لمفاهيم الحرية والديموقراطية - وهي ذات أهمية بلا شك - بل بفعل الشعور بالعجز العربي على مستوى الحكام والقادة في التصدّي للتحدّيات التي فرضتها التطورات، منذ الغزو الأميركي للعراق وقبلها لأفغانستان، وتلطي إيران خلف راية الدفاع عن فلسطين  التي شكّلت على مرّ الأجيال القضية المركزية في وجدان الشعوب، ما أفضى إلى مَلئها الفراغ وتمددها السياسي والعسكري خارج حدودها بأذرعتها المذهبية التي زادت في منسوب الاحتقان والإحباط واليأس لدى شرائح واسعة من المجتمعات السنية، التي وجد كثير من شبابها ضالتهم في التنظيمات المتطرّفة.

من هذا المنطلق تأتي «عاصفة الحزم» لتسجّل وقائع جديدة لم يعد من الممكن القفز فوقها، وفي مقدمها أنها فرضت منطقاً آخر في النظرة الأميركية والدولية إلى التحالف العربي، الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وقدرته على أخذ القرار والمبادرة والدفاع عن المصالح الاستراتيجية لدوله وأمنها القومي بإمكاناتها العسكرية. وليس تأييد واشنطن، ومن خلفها المجتمع الدولي، لعملية «عاصفة الحزم» في اليمن سوى نتيجة أولى لاختلاف الرؤية والحسابات، وكذلك هو الحال بالنسبة  لقرار مجلس الأمن  حول اليمن  الذي أخذ بالرؤية العربية – الخليجية  وأدرجه تحت البند السابع بموافقة 14 صوتاً من ضمنها الصين وامتناع روسيا، الذي يشكّل عدم استخدامها حق «الفيتو» تحولاً في موقفها، يعزوه مراقبون لعوامل عدة، منها ما يتعلق بقراءتها للمتغيّرات التي تشهدها المنطقة  المفتوحة على موازين قوى جديدة وإمكان  صوغ  تحالفات جديدة لم تتبلور معالمها بعد، إلا أنها ستكون وليدة  المسار الذي سينتهي إليه الاتفاق النووي الإيراني ونتائجه.

فالسيناريوهات التي كان «محور الممانعة» يرسمها لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي، لجهة حصاد النفوذ الإيراني وتكريس طهران اللاعب الأبزر لما لديها من أوراق قوة تتغنى بها بسيطرتها على أربع عواصم عربية، لم تعد قابلة للتطبيق بعد «عاصفة الحزم» والنهج الدولي الجديد حيال التحالف العربي – الإسلامي وحيال القوة العربية المشتركة، المقرر لها أن تبصر النور في المستقبل القريب كقوة تدخل حيث تدعو الحاجة والمصلحة العربية، ولا سيما أن الأزمات سواء في اليمن أو ليبيا أو العراق أو سوريا قد تتطلب تدخلاً برياً عربياً – إسلامياً لحلها بمظلة دولية. فالمعادلة اختلفت، حتى لو كابرت إيران وحلفاؤها في الاعتراف بذلك، لكنهم سيضطرون إلى تقويم سياساتهم ومراجعة حساباتهم  في كل ساحات الصراع المفتوحة، ذلك أن العدّ العكسي لتراجع قوتهم ومواقع نفوذهم قد بدأ، وإن كانت المواجهة لا تزال طويلة!