IMLebanon

بين التركيع والتقليع

التفاؤل الذي ساد الوسط السياسي على اختلاف توجهاته وحساباته ومنطلقاته بقرب ولادة أولى حكومات العهد الجديد قبل الثاني والعشرين من تشرين الثاني أو قبل نهايته في أبعد تقدير بالنظر لشبه الإجماع الذي يحظى به العهد ولا سيما من القوى الرئيسة حزب الله وحزب القوات وتيار المستقبل ناهيك عن التيار الوطني الحر، هذا التفاؤل تحول عملياً إلى تشاؤم في نهاية الشهر الجاري حتى أن العديد من المراقبين لخفايا وخبايا الاتصالات التي يجريها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة مع الرئيس نبيه برّي المفوض من حزب الله بإدارة عملية التشكيل واتخاذ القرارات التي يرتئي انها تصب في خدمة المصلحة المشتركة للثنائي الشيعي ولا تخرج عن الاستراتيجية المرسومة أساساً باتوا يلوحون بإمكان تأخير ولادة الحكومة إلى عيد الميلاد وربما إلى ما بعد عيد رأس السنة وربما إلى ما بعد على حدّ التعبير الذي استخدمه أمين عام حزب الله وأصبح مثلاً تردده الأجيال، وذلك لأن الخلاف بين رئيس الجمهورية ومعه الرئيس المكلف وبين حزب الله وحلفائه تعدى موضوع الحقائب الوزارية والمحاصصة كما جرت العادة منذ عشرات السنين لتتناول موضوع النظام برمته لجهة تعديله ليسري كما كان في عهد الوصاية السورية حيث كان الفيتو الشيعي يتحكم بالدولة ما أوصل لبنان إلى ما يسمى بحكم الترويكا أو حكم الحيّة بثلاثة رؤوس على حدّ التعبير الذي استخدمه الرئيس المرحوم الياس الهراوي في بدايات ولايته.

ان الاعتقاد الذي ساد في الأسابيع الثلاثة الماضية عن أن تأخير ولادة حكومة العهد الأولى سببه المحاصصة والتسابق بين الكتل النيابية على الحقائب السيادية والخدماتية، وأن الرئيس برّي الذي كلفه حزب الله بإدارة هذا الملف يسعى بكل ما أوتي من حنكة سياسية الى الحصول على حصة وازنة في الحكومة العتيدة تمكنه هو وحليفه حزب الله من الإمساك بعنقها والتحكم بمصيرها كما حدث بالنسبة إلى حكومة الرئيس المكلف قبل بضعة سنوات حينما وصل إلى البيت الأبيض رئيساً لحكومة كاملة الأوصاف وخرج رئيساً لحكومة مستقيلة بقرار اتخذه حزب الله وأرغم حلفاءه عليه باستقالة وزراء تحالف الثامن من آذار الذين يشكلون الثلث الضامن وذلك خلافاً لاتفاق الدوحة الذي أقر آنذاك بعدم الاستقالة من حكومة الوفاق الوطني أياً كانت الظروف والأسباب، وها هو الحزب يدير من خلال رئيس مجلس النواب حرباً استباقياً وبالأحرى سياسة استباقية من خلال عرقلة ولادة الحكومة العتيدة إلى أن يقبل رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اعطاءه الحقائب الأساسية والحصة الوازنة التي تمكنه من الإمساك بمصير الحكومة والتلاعب بهذا المصير بما يتناسب مع مصالحه السياسية في الداخل اللبناني وفي الخارج الإقليمي الذي يشهد تطورات دراماتيكية على جبهة حلب إستدعت استنفاراً وشجباً دولياً غير مسبوقين.

وثمة من يذهب في تحليله للمواقف المعرقلة لتأليف الحكومة الذي يقفها الرئيس برّي إلى ما يتعدى هذا كلّه ويدخل في صلب المواجهة غير المعلنة بعد بين رئيس الجمهورية وحزب الله بعد المواقف الإيجابية للرئيس من المملكة العربية السعودية والاستعدادات التي أبداها للإنفتاح على العالم العربي وتحسين العلاقات معه بما يفيد لبنان سياسياً واقتصادياً وإنمائياً ويزيل الغمامة السوداء التي ارتسمت في سماء العلاقات اللبنانية – العربية نتيجة سلوك حزب الله المعادي للعرب إرضاءً لجمهورية ولاية الفقيه، وثمة من يربط ذلك بالسهام التي وجهها بعض الإعلام القريب منه، نحو رئيس الجمهورية من خلال التصويب على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والتي حملت رسائل مباشرة إلى العهد مفادها أن الفريق المذكور غير راضٍ عن النهج السياسي الذي انتهجه منذ انتخابه رئيساً على الصعيدين المحلي والخارجي وعليه ان يُعيد التصويب حتى يسمح الحزب بأن يقلع بالزخم المطلوب.