IMLebanon

«حزب الله» يغزو المناطق السنّية مستغلاً الفراغ

 

لا يمكن استمرار المواجهة السيادية بدون ركائز الصمود الاجتماعي

 

 

يفرض عنوان استنهاض المؤسسات الدينية والاجتماعية لدى أهل السنّة والجماعة نفسه في هذه المرحلة، حيث يحضر كأولوية مع التأكّد من انحدار الدولة ومرافقها نحو الأسوأ، مما يدفع إلى التفكير في كيفية التعامل مع الانهيار الكبير سياسياً ومعيشياً، وكلّ تجاهل لهذا الآتي المحتوم لا يعني سوى انتظار الهلاك والاندثار، بينما بقية المكوِّنات اللبنانية أنهت استعداداتها وجهّزت مؤسساتها للتعامل مع اتساع دوائر الكارثة المرتقبة، وهذا ما يجعل الساحة السنية مستباحة أمام غزو «حزب الله» لها بسلاح الخدمات من دون مواجهة تُذكر.

هذا الواقع يستدعي إطلاق ورشة حوار ونقاش علمي وفكري واجتماعي في كيفية التعاون بين هذه المؤسسات لوضع استراتيجية تكاملية فيما بينها. فمرحلة الزهد بالتعاون انقضت، والسنوات السمان انقضت، ولم يعد هناك مجال لرفاهية الانفراد والاجتهاد الفردي، بل أصبح العمل الجماعي أوجب الواجبات وعلى جميع المستويات.

واقع المؤسسات عند أهل السنّة

تنقسم المؤسسات الاجتماعية في المناطق السنية إلى ثلاثة أقسام:

– مؤسسات الدولة: وهي خاضعة في أغلبها لواقع الفساد والتحكّم السياسي، وإن كانت قابلة للإصلاح حيث توجد إدارة جيدة.

– المؤسسات الكبرى: وهي المؤسسات العريقة ذات التاريخ الأصيل في الخدمة الاجتماعية، وهي معروفة من حيث الحجم والانتشار، وقد بلغت من السنين ما بات يوجب استنهاضها بناءً على الثوابت الإسلامية والحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية، وعدم السقوط في فخّ التغريب المؤدّي إلى فقدان الهوية والانتماء، بل يجب العمل في دائرة العمل بثوابت دار الفتوى وبانتمائنا العربي.

– المؤسسات المتوسطة: وهي تقوم اليوم بالدور الأهم في مواجهة تداعيات الكوارث الاجتماعية والصحية، وتتصدّى لحاجات الناس اليومية، من خلال مراكزها الصحية والإغاثية، وتسدّ الثغرة الكبرى اليوم، لذلك ينبغي الاهتمام بها وتأمين مصادر الدعم لها والاستمرارية لأنّها إذا سقطت سينهار ما تبقّى من أعمدة الصمود الاجتماعي.

كارثة لا سابق لها

لا تشبه هذه الكارثة سابقاتها مما واجهناه خلال الحرب الأهلية، لأنّها تعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان المعاصر، لذلك فإنّ التصدّي لها يجب أن يكون بمنطلقات وأفكار وأساليب مختلفة، مع الإفادة من تجربة العمل الاجتماعي خلال الحرب، لكن يجب التحرّك بناءً على قواعد جديدة، تأخذ بعين الاعتبار تطوّر العمل الخيري وطبيعة التحوّلات التي يأخذها العمل التطوعي، وأوضاع الجهات المانحة والداعمة في هذه المرحلة، فهذه عوامل تتحكّم بمسار ومصير الجهود والمبادرات المنتظرة.

الانتماء العربي وثوابتنا

من الضرورة بمكان الالتزام بهويتنا العربية لأنّ امتدادنا العربي هو ضمانتنا الحقيقية، ولأنّ الواضح أنّ الجهات الدولية أصبحت في دائرة اهتمام مختلفة بعيدة نسبياً عن لبنان، وهذا يعني ضرورة التفكير بوضعية أهل السنّة عموماً وكيفية التعامل مع المستقبل، في ظلّ المتغيّرات السياسية وحتمية بناء البديل، وفي ظلّ الحاجة إلى حيوية المؤسسات الاجتماعية لسدّ الفراغات الأساسية عن الدولة.

ما يجب الانتباه إليه أيضاً هو موجة الانحراف الدولية الداعمة للشذوذ وضرب الأسرة والقيم الاجتماعية وهذا مسارٌ لا يجب مقاربته من منطلق المنفعة المادية فقط، بل إنّه مدخل مدمِّر لطبيعة وتركيبة مؤسساتنا الاجتماعية ذات الخلفية الدينية أو المحافِظة، كما حصل في بعض المحطات مع جمعية المقاصد الإسلامية.

 

لا بدّ من التكامل بين المؤسسات والسياديين لمواجهة التحدّيات الوجودية

 

استدراك النقص الاستراتيجي مركز دراسات وإطلاق المبادرات

يحتاج أهل السنّة بشدّة إلى مركز يجمع الطاقات العلمية والاقتصادية ويساهم في تقديم الأطر المطلوبة لإطلاق المشاريع والمبادرات واستجماع قوة رجال الأعمال وأهل الاختصاص في لبنان وبلدان الاغتراب، وهذا سيؤدي حكماً إلى تحقيق عصبة من القوة والعلم والحكمة والإمكانات تجعل إيجاد المخارج من الأزمات متاحاً.

مواجهة جائحة المخدِّرات

لا يخفى على أحد أنّ آفة المخدِّرات تجتاح مناطق واسعة في لبنان، وتضرب بعنف في بيروت وطرابلس وعكار وغيرها، ولا توجد مؤسسة في مناطق أهل السنّة تختصّ بعلاج من ابتلي بهذه الآفة.

من هنا تأتي ضرورة التحرّك لدعم المشروع المشترك الذي أطلقته جمعية «المنهج» الخيرية في طرابلس بالتعاون مع تجمع «أم النور»، وحمل اسم مركز «فرصة» للوقاية وإعادة تأهيل المدمنين على المخدرات، وهو يحظى ببنية تأسيسية جاهزة ضمن مبانٍ نموذجية في زيتون أبي سمراء، ويحمل كلّ عناصر النجاح.

استجماع الطاقات بلا إهمال لأحد

لا يمكن التفكير بالنهوض إلّا باستجماع الطاقات، وهي دعوة الضرورة الآن، مع حتمية تحرّر النخب السنية من ربقة التبعية السياسية وضرورة التفكير بعيداً عمّا كان سائداً في السنوات الماضية، خاصة أنّ أسلوب إدارة شؤون أهل السنّة، كان في معظمه بعيداً عن المصلحة العامة.

بعد الانتخابات النيابية أصبح الفرز واضحاً: هناك من اختار التخلّي عن المسؤولية وذهب إلى خيار الانتحار السياسي، وتسليم الساحة إلى «حزب الله»، وبين من اختار المواجهة والعمل على ترتيب البيت السنّي وإصلاحه، وفي طليعة هذا الفريق الرئيس فؤاد السنيورة، والنائب أشرف ريفي وبقية الشخصيات السنية السيادية.

لا يمكن تجاهل أولوية الإغاثة والتنمية

وأمام غزو «حزب الله» العلني والمباشر للمناطق السنية بالخدمات مستفيداً من الفراغ الناتج عن تعليق الحريري نشاطه السياسي، والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، لا يمكن لمشروع المواجهة السيادية الوطنية أن يستمرّ بدون ذراع اجتماعية تنموية وبدون بُعد اقتصادي إغاثي، وهذا يوجب تلاقي النخب السنّية مع أهل السياسة السنّة ذوي الاتجاه السيادي، والتوقف عن حمل علامات الاستفهام والتعجب والتردّد والانتظار غير المُجدي، لأنّ الوقت يقطع الفرص.