IMLebanon

سوريا أرض الاختبار الأميركي – الروسي في تقاسم النفوذ الدولي

سوريا أرض الاختبار الأميركي – الروسي في تقاسم النفوذ الدولي

النقاط الخفيّة في قمّة هلسنكي: بوتين عرّاب تبديد الهواجس بين تل أبيب وطهران

 

أشهر انتظار قاتل حتى الخريف ومخاوف من ردّ إيراني في لبنان

 

نقطتان أساسيتان في قمة هلسنكي تطرق إليهما الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين ضاعتا في غياهب غبار التجاذبات الداخلية الأميركية بين الديموقراطيين وسيّد «البيت الأبيض» حول تدخّل روسيا في الانتخابات الرئاسية، لكنهما نقطتان تُشكّلان مفصلاً مهماً في ما خص المنطقة. النقطة الأولى عبّر عنها بوتين  الذي تحدّث عن المنطقة الجنوبية في سوريا، ووجوب إعادة الوضع في مرتفعات الجولان إلى ما كان عليه وفق اتفاق 1974 لجهة الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية ووقف إطلاق النار بما يُؤمّن سلامة إسرائيل، ويُشكّل خطوة نحو إحلال سلام ثابت بناء على قرارات مجلس الأمن الدولي. أما النقطة الثانية، فقد أكد عليها ترامب وتتمثل بعدم السماح لإيران بالاستفادة من هزيمة «داعش».

بدا الرئيسان وكأنهما ينطلقان من سوريا كمساحة اختبار لعمل مشترك وإظهار النيّات، حين اعتبر بوتين أن تأمين السلام في سوريا  يمكن أن يصبح مثالاً للعمل المشترك الناجح، وأن روسيا والولايات المتحدة تستطيعان أن تأخذا دور الريادة في هذه المسألة، وأن تتعاونا في حل الأزمة الإنسانية وعودة المهجرين إلى منازلهم. وذهب إلى التأكيد على أن العسكريين الروس والأميركيين اكتسبوا خبرة كبيرة في سوريا  لجهة التنسيق والتعاون وبناء التواصل، ما سمح بالحيلولة دون وقوع حوادث واصطدامات في ميدان القتال وفي الجو، وهو ما يمكن تكراره. ما بدا من أجوبة الزعيمين أن ثمة «خارطة طريق» قد وُضعت في ما خص سوريا، أقله على المستوى الإنساني لناحية تحقيق مناطق آمنة من أجل تخفيف الأعباء عن دول الجوار الثلاث، الأردن وتركيا ولبنان، التي سمّاها بوتين بالاسم، وحل مشكلة اللاجئين في أوروبا. ما هو واضح أن قمة هلسنكي أكدت على مسلمة واحدة وهي حماية أمن إسرائيل الذي هو ليس فقط هدفاً أميركياً بل أيضاً هدف روسي. هذا يعني أن الجانبين مستعدان للذهاب إلى المدى الذي يتطلبه هذا الأمر.

في المعلومات المُستقاة من أوساط اطلعت من الجانب الروسي على كواليس القمة، أن بوتين تعهّد لترامب بأن يلعب دور الوسيط بين إسرائيل وإيران، من أجل أن تتفهم طهران هواجس الدولة العبرية ومن أجل أن تتفهم في المقابل تل أبيب مصالح إيران الجيوسياسية في المنطقة. لم يعد سراً أن التطورات التي تحصل في جنوب سوريا على خط الجولان، ترتبط باتفاق أميركي – روسي – إسرائيلي، وأن عودة الجيش السوري إلى المناطق التي خرجت عن سيطرته منذ انطلاق الثورة، تندرج في إطار هذا الاتفاق وبضمانة روسية مقابل انسحاب إيران وميليشياتها من تلك المنطقة. لم يعد مهماً إذا مَوّهت الميليشيات الإيرانية وجودها بثياب الجيش السوري أو لم تفعل، فالمسألة تتعلق بالضمانات السياسية وبتحمّل النظام السوري نتائج وتداعيات خرقها ومعه الضامن الدولي.

الذي رشح من معلومات أنه تمّ الاتفاق على متابعة الترتيبات الأمنية بين إسرائيل وإيران في إطار لجنة معنية بالأمن الإقليمي والأمن في الشرق الأوسط. كرّست روسيا نفسها وسيطاً مع إيران من بوابة مصالح إسرائيل، لكنها في المقابل وضعت نفسها تحت الامتحان. النجاح له أثمانه وكذلك الإخفاق. بدا كلام ترامب جلياً بتأكيد أهمية الضغط على إيران لإيقاف طموحاتها النووية ولوقف حملة العنف التي تشنها في الشرق الأوسط.

ما هو واضح أن قمة هلسنكي وضعت العناوين العريضة وتُرك لفرق العمل استكمال البحث التفصيلي. خرج ترامب بما أراده في ما خص كوريا الشمالية. كان مهماً له ضمان «الدبّ الروسي» إلى جانبه في مهمة نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، وهو ما سيحصل عليه كمقدمة في سياق التعاون الروسي – الأميركي للحد من انتشار الأسلحة النووية. تمّ الاتفاق في هذا السياق على لجنة مشتركة تُعنى بالأمن العالمي، ومن ضمنها الأمن في أوروبا الذي عدّد بوتين عناوينه، مطالباً واشنطن بضرورة أن تمارس ضغوطها على أوكرانيا بعدما أكد تمسكه  بـ«اتفاقيات مينسك» لحل النزاع. والإنجاز أيضاً بالنسبة إلى الرئيس الروسي هو الاتفاق على لجنة للتعاون الاقتصادي تُشكّل للمرة الأولى بين الولايات المتحدة وروسيا، وأهميتها أنها قد تضيء النور في نفق العقوبات الاقتصادية على بلاده.

في موسكو، ثمّة حالة انتظار يرى الروس أنه لا بد منها، مردّها أن الرئيس الأميركي يواجه ضغوطات داخلية قوية ولا يبدو واضحاً ما سيكون تأثيرها عليه في الاستحقاق الذي ينتظره مع الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني المقبل، التي تشكل اختباراً له في منتصف ولايته الرئاسية، بحيث تؤشر إلى المزاج العام الشعبي وبوصلة الانتخابات الرئاسية لجهة حظوظ الرئيس في ولاية ثانية. في اعتقاد الروس أن نجاح ترامب في تأكيد شعبية تضمن له الولاية الثانية سيضمن القدرة على تحقيق اختراق مستقبلي في العلاقات الأميركية – الروسية وفي صوغ التفاهمات وضمان تنفيذها.

هذا يعني أن ثمة رهاناً على الوقت. أخصام ترامب في الداخل يعملون على إضعافه وانتكاسته. وأخصامه في الخارج، ولا سيما الإيرانيون، يحاولون تقطيع المرحلة الراهنة بأقل الخسائر علّ الغيث يأتي من الانتخابات الأميركية، رغم أن منظري ترامب يؤكدون أن وضعه الشعبي جيد ولا يزال يحظى بالتأييد من الجمهور الأميركي الذي ينعم بنمو اقتصادي لم يسبق أن شهدته أميركا منذ سنوات طويلة، ويتناغم مع رئيس يُنفّذ ما وعد به في حملته الانتخابية، وهم شبه جازمين بأن الانتخابات النصفية ستعزز موقع الرئيس وحظوظه لولاية ثانية.

قد يصح وصف الأشهر المقبلة، حتى الخريف، بأشهر الانتظار القاتل، غير أن المراقبين يرون أن هذه الفترة ستكون مثقلة بالضغوط على إيران لإضعاف أوراقها، سواء في سوريا أو العراق أو اليمن، حيث المسار العام يدل على تراجع في وضعها بعدما كان لصالحها، فيما لبنان يستمر ورقة قوية في يدها، ما يطرح سؤالاً عن المنحى الذي ستسلكه حياله، وما إذا كانت ستذهب إلى التصلب فيه سياسياً إلى حد قلب الطاولة، إذا وجدت أنها باتت مقيّدة في استخدام خطوط التماس مع إسرائيل سواء في جنوب لبنان أو جنوب سوريا أو غزة!.