ليالي فيينا، سياسياً، تمهّد «لأنس» في مستقبل الأزمة السورية، فاللقاء الثاني في العاصمة النمسوية، رسَم الخطوط العريضة لمسار الحل، استناداً إلى تأكيدات ديبلوماسي تركي، كشفَ جانباً ممّا تعمل عليه أنقرة، ومضمونُه أنّ المرحلة الانتقالية المفترض أن تمهّد للحل في سوريا، ستكون على امتداد ثمانية عشر شهراً، عقب تشكيل حكومة جديدة، يتمّ خلالها إعداد دستور جديد، تنفَّذ الانتخابات البرلمانية في ظلّه.
يكرّر الديبلوماسي ما سبق وأكده وزير الخارجية التركية سينيرلي أوغلو، بأنّ بشّار الأسد لن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة، بعد تأسيس الحكومة الجديدة الكاملة الصلاحيات التنفيذية، بل سيغادر السلطة وفق التاريخ والشكل اللذين تمّ التوافق عليهما… والثقة العالية هذه، ليست من عدم، فتركيا التي تشكّل مفتاحاً محورياً في التصعيد أو الحل بشأن الأزمة السورية، تفرض إيقاعاً سريعاً بإبعاد الأسد من الصورة السورية، والأمر، بحسب الدبلوماسي، يفسّر ابتعاد الأسد من العلانية، والانقطاع المتكرّر عن الظهور.
أمّا عبارة «وفق التاريخ والشكل اللذين تمّ التوافق عليهما»، فهي خلاصة اتفاق الأفرقاء الأساسيين في فيينا، بحسب الدبلوماسي التركي، الذي يؤكّد أنّ الأفرقاء هؤلاء يتوزّعون الأدوار والمسؤولية، في التنفيذ المتدرّج كالآتي:
• تتعهّد أنقرة بعمليات نوعية ضد داعش، محدودة الطابع والجغرافيا، إنّما كافية لإنهاء وجود التنظيم الارهابي على حدودها. أمّا في الداخل التركي، فتواكبُها تدابير لازمة للحيلولة دون أيّ تهديد يمسّ الأمن، وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة… والهدف حرمان داعش من طريق يدعم عبرها صفوفَه بمقاتلين أجانب، وخزائنه بالأموال عبرالتهريب، ما يعني قطعَ أحد شرايين الحياة عنه، وتغيير قواعد اللعبة.
ويُفهم من دور أنقرة المستجد، اقتراب حلفائها من فكرة إقامة منطقة عازلة شمال سوريا.
• تتعهّد واشنطن المهادنة لدور موسكو، بتسهيل أجواء المرحلة الانتقالية سياسياً وعسكرياً، الأولى بتحضير وتشجيع مفاوضات جادّة بين المعارضة ونظام الأسد، الذي تفترض أنّه على مسافة اسابيع من مرحلة انتقال سياسي كبير… وتستعجل وقفاً للنار، وضمانَ اجتماع بين النظام وأعضاء من المعارضة، قبل مطلع السنة المقبلة.
أمّا التعهّد العسكري الاميركي، فيرتبط بدور أنقرة، إنْ لتدريب المعارضة وتسليحها، أو لخوض عمليات نوعية معها، ناهيك عن إغلاق الحدود، وهو ما أكّده وزير الخارجية الاميركية جون كيري، بأنّ 75% من الحدود التركية مغلقة، ومقبلون على عملية لإغلاق 98 كلم متبقّية .
• تتعهّد موسكو مكافحة «داعش» كهدف استراتيجي موحّد مع واشنطن وباريس وغيرهما، رغم الخلافات التكتيكية فيما بينهم، وتترجم تعهّدَها بتكثيف الغارات الجوية، وتعزيز الأسطول بالمزيد من الطائرات الاستراتيجية، والمعلومات الاستخبارية المتقاطعة. ويلاحَظ في موقف موسكو، التشديد على الدور الأرضي للجيش النظامي السوري، ترجمةً للاتفاق مع الغرب على حفظ مكوّنات الدولة السورية وأجهزتها وإداراتها ونظامها، بعيداً من مصير الأسد، وهي المسألة التي تصِرّ عليها أنقرة علناً، بأن لا دورَ للأسد في مستقبل سوريا، فيما تُبقي موسكو ورقتَها هذه مستورة… إلى حين استحقاقها.
• تتعهّد الدول التي شاركت في لقاءات فيينا، ببذل كلّ الجهود المطلوبة لإرساء الحل الآنف في سوريا، والتمهيد للمرحلة الاقتصادية، بإعادة الإعمار والإصلاح البنيوي، ومواجهة التداعيات المدمّرة للنزوح والهجرة، بخاصة الى اوروبا.
ويكشف الدبلوماسي جانباً من سياسة أنقرة في هذا الشأن، والقائمة على الانطلاق من المنطقة العازلة الآمنة على حدودها مع سوريا، لوقف جحافل اللجوء، وإعادة ما يمكن، ناهيك عن استيعاب النازحين في الجوار، من العراق الى الاردن ولبنان، تمهيداً لإعادة دمجهم في خطط مستقبل سوريا، بدلاً من بقائهم عبئاً على الخارج.
السيناريو الوردي، الذي رسَمه الدبلوماسي في جلسةٍ غير رسمية، يعيد الاعتبار إلى ما سَبق لأنقرة أن شدّدت عليه في مراحل سابقة، وهو بكثير من عوامله بعيد من منطق الحرب المستعرة في سوريا، لكن تحديد واشنطن لمواعيد حاسمة، يوحي بأنّ سوريا وضِعت فعلاً في فيينا على سكّة الحل، وإنْ لم يتّضح بعد مكان المحطة الأخيرة … لهذه المسيرة.