IMLebanon

صفقة في سوريا… ولبنان “بضهر البيعة”

 

 

ولم تكن زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي لسوريا بنت ساعتها. المصادر الإيرانية المعنية تقول إن الزيارة كانت مقررة منذ نحو عام، لكن طهران انتظرت أن يسبقها انفراج في العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية.

هذا يعني أنّ طهران كانت تتوقع الانفراج مع السعودية طوال العام الفائت، على رغم الحملات العلنية القاسية التي كانت تدور بين الطرفين، وتوحي بأنها «كسر عظم». أي إنّ طهران كانت مرتاحة إلى مناخات التفاوض مع المملكة في بغداد، وإلى تبدّل النهج السياسي في مركز قرارها، بامتلاك القيادة السعودية الجديدة زمام المبادرة. وهذا الانفراج الضمني يفسّر على الأرجح حرص «حزب الله» في لبنان على عدم تجاوز سقف معيّن في المواجهة مع المملكة، حتى في أكثر لحظات الصراع شراسة.

 

من زاوية أخرى، إن اتخاذ طهران قرار التريث بزيارة دمشق، حتى تحقيق الانفراج مع السعودية، يعني أن الإيرانيين يحرصون على الإيحاء بعدم رغبتهم في الاستفراد بسوريا، وعلى إدخال المملكة شريكة حقيقية في التسوية هناك. وهذا الخيار تعتبره طهران رابحا لها، للأسباب الآتية:

1 – تدرك طهران أنها ستحتاج عاجلا أو آجلا إلى التغطية العربية والإسلامية السنية لأي تسوية داخلية في سوريا. وليس هناك أفضل من المملكة لتحقيق هذه التغطية. كما أن السعودية هي الغطاء الأفضل لِتموضع الأسد في النظامين العربي والإسلامي السني. وهذا الخيار بقي خيار النظام في سوريا منذ عهد الرئيس حافظ الأسد الذي أبقى دائما كل الخطوط مفتوحة على المملكة، ورَعى معها توافقات إقليمية بالغة الأهمية.

2 – إن تفاهم إيران مع السعوديين حول الملفات الإقليمية، وبينها سوريا، يوفّر عليها عناء المواجهة مع الولايات المتحدة، لأن المملكة ستكون هي المضطرة إلى خوض معركة الدفاع عن هذا التفاهم، سواء نجحت في إقناع حليفتها واشنطن أو أجبرت على خوض المواجهة معها.

3 – ليس لدى طهران أماكن كثيرة للمقايضة بينها وبين السعودية في أي تسوية. فهناك اليمن وسوريا في الدرجة الأولى، ثم العراق ولبنان.

4 – من مصلحة إيران أن تكون المملكة عصبا أساسيا في عملية إعادة إعمار سوريا، ومعها المجموعة الخليجية. فهذه مناسبة مثالية لدخول الإيرانيين أيضا في سوق عربية وازنة جدا.

 

5 – يبقى التعامل مع السعوديين كمستثمرين في سوريا أفضل الخيارات لتحقيق المكاسب. فعلى الأرض السورية هناك الروس والأتراك أيضا. وليس سهلاً التشارك مع هذين الطرفين الطامحين أيضاً إلى تحقيق المكاسب الاستثمارية، واللذين يعانيان أزمات اقتصادية لا تقل حدّة عن الأزمة في إيران.

السعوديون، من جهتهم، يجدون أنّ إقامة «ثنائي إقليمي» مع طهران يبقى الأكثر تطميناً لهم، خصوصا أنه يتكفّل بسد الثغرة الأكثر إزعاجاً لهم في اليمن والبقعة الخليجية عموما. ومن هذه الضمانة، يصبح ممكنا الانطلاق للتفاوض أو المساومة حول مسائل أخرى.

يتردد في بعض الأوساط أن ما توصّل إليه السعوديون والإيرانيون في اتفاق بكين أبعَد بكثير مما يتردد. فهم توافقوا تقريباً على كل الملفات المتشابكة بينهما. ولا يبقى إلا رسم الخطط التفصيلية لتنفيذ التسويات، من اليمن والعراق إلى سوريا ولبنان. وعملية «الطبخ» ماشية أينما كان.

في ملف اليمن، الإيرانيون هم الشريك المباشر للسعوديين في التسوية. وقد بدأت تظهر هناك ثمار التوافق.

في ملف سوريا، الصورة أكثر تَشابكا. لكن من مصلحة إيران جذب طهران إلى الساحة. والمفاوضات جارية على قدم وساق.

في العراق، حصد العراقيون ثمار رعايتهم المفاوضات السعودية – الإيرانية بتهدئة سياسية داخلية يمكن تطويرها.

 

في لبنان، الورشة مفتوحة بحثاً عن تسوية ترضي الجميع. والأمور تبدو أكثر تعقيدا بسبب تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين وتضارب المصالح.

في الفترة المقبلة، سيكون الهاجس الأكبر لدى السعودية وإيران التوافق حول سوريا وتوازنات القوة فيها. فأيّ سوريا ستكون بعد الزلزال السياسي والعسكري الذي ضربها؟ ما دور الأسد داخليا وعربيا؟ وما حصة كل من القوى المسيطرة: روسيا وإيران وتركيا والمجموعة العربية؟

وستقدم القمة العربية، المقرر عقدها في الرياض بعد أقل من أسبوعين، إشارة إلى الرؤية السعودية للأسد وسوريا.

ولكن، هل يكفي هذا التوافق لحسم المعارك في البؤر الشرق أوسطية الساخنة، ومنها لبنان؟

من الصعب جدا أن تصبح اللعبة في الشرق الأوسط احتكارا لمحور الصين – روسيا – إيران، أو حتى لهذا المحور والمجموعة العربية. فعشية زيارة رئيسي لسوريا، مُحاطاً بوزيري الخارجية والدفاع وآخرين، تعمّد الإسرائيليون تسديد «ضربة تذكيرية» لمواقع معينة في حلب. وأما الولايات المتحدة فلم تترك وسيلة للتذكير بأن التسويات الشرق أوسطية إمّا أن تكون برعايتها وإمّا ألا تكون.

لكن المثير هنا أن لا أفق للبنان في كل هذه المعمعة. وأيا كانت الصفقات المعقودة، فإن القوى المتفاوضة تتعاطى معه كجزء من المادة التي ستتفاوض عليها لا أكثر. أي سيجري رسم التسويات له على قياسات الآخرين لا على قياسه. وعندما ستتم عملية البيع والشراء بين هؤلاء، سيحددون مصير لبنان «بضهر البيعة»، كما يحصل غالبا في تاريخه.

 

إنها مشكلة كرامة وطنية في الأساس. وهذه الكرامة مفقودة عند أولياء الأمر.