IMLebanon

النازحون السوريون: «موالون» و«معارضون» في سلّة واحدة؟

تناقضَت المواقف من ملف النازحين السوريين. وفي الوقت الذي نُقل عن رئيس الحكومة السورية استعداد بلاده لاستقبال مئات آلاف العائدين «من الغد» رفضَ سفيرُها في بيروت أيَّ وساطة، متمسّكاً بـ«التواصل الرسمي لحلّ هذه الأزمة». كذلك انقسَم اللبنانيون بين داعين ورافضين للحوار والتواصل المباشر مع النظام أو عبر الأمم المتحدة. ما طرَح السؤال: هل من قواسم مشتركة تقود إلى المخارج؟

ليس سهلاً على أيّ عاقل فهمُ المواقف السورية واللبنانية من ملفّ النازحين السوريين في لبنان. فالتناقضات التي انطوَت عليها هذه المواقف في الأيام المنصرمة تدعو إلى جهدٍ كبير لفهم خلفيّاتها على المستويَين السوري واللبناني، وكذلك لفهمِ الدوافع التي قادت إليها، وهو ما يؤدّي حتماً إلى البحث عن عقَدٍ مخفية أبعَدت الحديث عن المخارج الممكنة في وقتٍ قريب، وزادت من صعوبة تحديد القواسم المشتركة التي توفّر حلولاً ومخارج قابلة للتطبيق وتفضي إلى إعادة النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم.

ثمَّة من يعترف بأنّ الموضوع أُدخل في البازار السياسي المحلّي فحسب. والدليل أنّ الحوار الذي فُتح في بيروت دون سواها من العواصم حول برامج إعادة النازحين بين ليلة وضحاها لم تشهده أيّ دولةٍ أخرى بعد.

وهو ما أوحى بأنّ هناك من نَجح في فرضِ أولويةِ البحث في الفكرة بعد سلسلة من الخطوات المبرمجة بدأت بمشروع إعادة نحو 40 عائلة من مخيّمات عرسال الى بلدة عسال الورد بمبادرة من «حزب الله».

وهي عملية يبدو انّها يتيمة، نتيجة نعيِ مبادرات وخطوات أخرى كانت ترمي إلى إعادة مجموعات أخرى إلى أراضيهم نتيجة ما تعرّضَت له الدفعة الأولى من مضايقات، كـ«إجبار» العائدين على التعاون مع «حزب الله» واستدعاء شبانهم الى الخدمة العسكرية في الجيش السوري.

وفي ظلّ الضبابية التي ما زالت تحوط بهذه الرواية، عدا عن التشكيك في صدقيتها، لم يُصدِر «حزب الله» ولا الجانب السوري ما يؤكّدها أو ينفيها أو يوضح حقيقتها، كما لم تفعل ذلك أيّ جهة أخرى. إلّا أنّ الكشف عن تجميد المبادرات المماثلة التي كانت مقرّرة، زرَع الشكوك حول احتمال أن يكون ذلك صحيحاً ولم يحِن أوان الاعتراف به أو تبنّيه لدى من خطَّط له وقصَده.

وفي ظلّ عدم وجود ما يشير إلى أيّ مبادرات مماثلة في دول الجوار السوري، لا في تركيا ولا في الأردن، اللذين يعيشان التجربة الأقرب الى مثيلتها اللبنانية في شكلها ومضمونها، فقد لفتَت مصادر ديبلوماسية إلى أنّ المبادرات الكبرى لإعادة نحو سبعة ملايين سوري مهجّر ونازح ولاجئ لم ولن تنطلق قبل الانتهاء من ترسيم المناطق الآمنة في الداخل السوري.

وهي مهمّة لم تكتمل بعد، في انتظار التثبتِ من نجاح المشروع الذي يقوده الثلاثي الروسي ـ التركي ـ الإيراني الذي رعى لقاءات أستانا الخمسة التي عقِدت، استعداداً لبرامج مماثلة بالتنسيق مع الموفد الأممي إلى سوريا ستيفان دوميستورا وفريق عمله.

وعلى هذه الأسُس تُحبّذ مراجع ديبلوماسية معتمدة في لبنان التريّثَ وانتظار ما ستأتي به مجريات الأحداث في سوريا وفكّ كثيرٍ من ألغازها التي بَرزت الى الآن. وفي انتظار مواقف واضحة وصريحة يطلِقها المهتمّون المكلّفون ملفاتها الإنسانية والاجتماعية للَمّ شمل العائلات السورية وإعادتها الى أراضيها متى ثبتَ أنّها ستكون عودة «آمنة ومضمونة»، وفي ظروف تسمح لها بممارسة حياتها العادية وفقَ المعايير والمواصفات الدولية التي يحترمونها، لا يرَون إلى اليوم أيَّ خطوات تنفيذية يمكن أن تقود إليها.

وفي رأي هؤلاء، ومنهم الموفودون الدوليون وممثّلو الهيئات الإنسانية الدولية، أنّ عليهم انتظار التفاهم الذي لم يتحقّق في مؤتمر «أستانا 5».لا بل على العكس فكلّ ما تسرّبَ من المحادثات أكّد فشلَ المؤتمرين في التوصّل الى تحديد هذه المناطق والخطوات التي تضمن قيام هذه المناطق وترسيم حدودها وطريقة حمايتها وإدارتها بالوسائل الممكنة لتستحقّ اسمَها وتحقّق أهدافَها في توفير ملاذ آمن للسوريين العائدين إلى أراضيهم.

وإلى حين الوصول إلى تلك المرحلة المتقدّمة طرَحت مراجع لبنانية معنية أكثرَ من سؤال من أجل فهمِ الأسباب التي قادت الى فتحِ هذا الملف قبل أيّ طرفٍ إقليمي أو دولي آخر، وانتهت مبدئياً إلى نتيجة واحدة تؤكّد أنّ طرح الموضوع في شكله وتوقيته ومضمونه ليس أوانه لينفَّذ، بل بهدف إثارة إشكاليات ما زالت تتحكّم بعلاقة اللبنانيين بالنظام السوري لوجود انقسام لبناني ليس من السهولة معالجتُه في الوقت الراهن لا بل هو يهدّد وحدة الحكومة والمؤسسات في هذه المرحلة بالذات في ضوء الانقسام الحاد على أبواب مرحلة تستعدّ فيها البلاد لخوض الانتخابات النيابية الفرعية والتحضير

للانتخابات الشاملة في ربيع العام المقبل.

ثمّة من يعترف بأنّ من طرَح ملفّ النازحين اليوم، لم يطرحه للوصول إلى حلّ، وإنّما لزيادة التعقيدات ربّما. فهو يعرف حدّة المواقف ممّا هو مطروح، ولن تكون الغلبة متوافرة لأيّ من الطرفين.

وإنّ الهدف قد يكون صرف الأنظارِ عن ملفات أخرى يُراد إمرارُها لعبور المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة، وإلّا ما الذي يمنع من تسهيل عودة السوريين الموالين للنظام إلى مناطقه الآمنة إذا كان متعذّراً إعادة تكوين الكتل السكّانية المعارضة للنظام في مناطق يقال أنّ سكّانها لن يروها بعد اليوم في ظلّ التدمير الشامل لكلّ ما هو فوق الأرض، وبرامجِ التبادل السكّاني المذهبي والطائفي التي نُفّذت بين وسط البلاد وجنوبها وشمالها.

فالعالم لم ينسَ بعد صفقة تبادلِ السكّان بين الفوعة وكفريا ومضايا والزبداني على خلفياتها المذهبية. ولذلك لم يعد مستغرَباً أن يضع مناصرو النظام وحلفاؤه الداعين إلى المساواة في التعاطي مع الموالين والمعارضين له في سلّة واحدة بلا أيّ تمييز.