IMLebanon

هل من مصلحة السُّنة تأييد “دمج” السوريين في لبنان؟  

 

عادت إشكالية الوجود السوري في لبنان إلى الواجهة مع تصريحات محافظ بعلبك الهرمل الأخيرة عن تأثيرات هذا الوجود الاقتصادية والاجتماعية على لبنان، وهو وجودٌ تجاوز مسألة الهروب من الحرب الدائرة في سوريا ليتحوّل عنصرَ ابتزاز مكشوف على المستوى الدولي والإقليمي من قبل النظام السوري مقابل العودة، بينما يزعم حلفاؤه في لبنان أنّ سبب عدم العودة هو موقف المجتمع الدولي.

 

التفسير المنطقي لهذا التداخل هو أنّ ثمّة مواقع قرار في الأمم المتحدة متواطئة مع النظام السوري لخدمة أهدافه السياسية، وهو ما ينكشف بوضوح من خلال التعيينات التي يحظى بها مؤيدو النظام في المنظمات «الإنسانية» العاملة في سوريا، في مسار يشابه تماماً سلوك الأمم المتحدة المتواطئ مع الحوثيين في اليمن.

 

حقائق غائبة عن الوجود السوري

 

في عمق مشهد اللجوء السوري في لبنان هناك حقائق غائبة ينبغي الإضاءة عليها في هذا الملف:

 

ــ أولاً: إنّ أغلب السوريين الموجودين في لبنان لم تعد لديهم عوائق أمنية في العودة إلى بلدهم لأنّ هذه الأغلبية قامت بتسوية أوضاعها وباتت تدخل وتعود من سوريا إلى لبنان من دون أي إشكالات، ما يُفقدها صفة «النزوح/ اللجوء» وفق القرار الصادر عن حكومة الرئيس تمام سلام الذي قضى بخسارة هذه الصفة عن كلّ من يدخل ويعود من لبنان إلى سوريا. وإذا أعملنا هذا المعيار ينبغي أن يعود 80% من السوريين إلى ديارهم.

 

ــ ثانياً: وهذا هو الأخطر: قام النظام السوري عن طريق شبكات خاصة أنشأتها سفارته في لبنان منذ سنوات بإحصاء السوريين الموجودين في لبنان إحصاءً دقيقاً يشمل أرقام هواتفهم وطبيعة أعمالهم ومستوياتهم المادية وأصبحت توجِّههم عبر رسائل خاصة تصلهم على أرقامهم، وباتوا تجمعات منظّمة تخضع لإرادة النظام السوري، وهذا ما انكشف بشكل خاص منذ سنتين تقريباً خلال الأحداث التي شهدتها مخيمات السوريين في المنية، والتي اتضح أنّ بعضها مخيمات للعمال، وتدخّلت السفارة السورية في عملية ابتزاز للدولة اللبنانية مطالبة بالتعويضات، بينما تولى كمال الخير أحد أبرز وجوه «سرايا المقاومة» التحرّك لتغطية تحرّكات موظفي السفارة، بينما أعلن سكان تلك المخيمات ارتباطهم بالخير.

 

الأسوأ من كل هذا أنّ معظم السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية باتوا على صلة بشبكات النظام، وقد استدعى أعداداً منهم كاحتياط حربي للمشاركة في معارك إدلب عندما احتدم القتال مع الدخول التركي في آذار من العام 2020، فتجاوزت أعدادهم قرابة الألفي مقاتل.

 

مزاحمة في كلّ المجالات

 

يعلم المسؤولون ولكنّهم يصمتون عن حقيقة أنّ أغلب السوريين في المدن تحوّلوا إلى مجموعات منظّمة تحظى بغطاء أمنيّ واقعي يمكّنهم من الانتشار ببسطاتهم ومن قطف محاصيل الأشجار المثمرة التابعة للبلديات كما يحصل في طرابلس التي يستولي السوريون على ثمار النخيل فيها، كما أنّهم قادرون على غزو المناطق البعلية في الأرياف بدون موانع للحصول على النباتات الصالحة للطعام، مثل الصعتر والزوبع وغيرهما، وإذا حاول اللبنانيون شيئاً من هذا تمنعهم بلديات تسكت على تحركات السوريين.

 

لماذا لم نعد نسمع أصوات السوريين في لبنان تطالب بالعودة ولماذا لا يتحرّك وجهاؤهم وتجمعاتهم للضغط والسعي للرجوع إلى بلداتهم ومدنهم والعمل على إعمارها، كما فعل اللبنانيون بعد الحرب الأهلية وبعد حرب تموز 2006، بل إنّ السوريين المتواجدين في لبنان يتصرّفون على أساس أنّهم باقون «إلى الأبد» في هذا البلد.

 

لا عودة للسوريين

 

أمّا الادعاء بأنّ البيوت مهدّمة، فكما يعيشون في لبنان في المخيمات يمكنهم أن ينتقلوا إلى مناطقهم ويعيشوا بالطريقة نفسها، وهنا تبرز إحدى عقد النفاق في هذا الملف، وهي انتفاع السوريين بما يحصلون عليه من أموال صعبة من المنظمات الدولية، وهذا يحوّلهم إلى لاجئين اقتصاديين بات اللبنانيون أولى منهم بالحقوق التي يسلبهم إياها الوجود السوري في لبنان، وهذا ما أكّده وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب في تصريح له بتاريخ 7/8/2022 إعتبر فيه أنّ وجود اللاجئين السوريين في الخارج يساعد النظام من خلال إرسال العملة الصعبة إلى الداخل السوري.

 

الحقيقة الثابتة أنّ النظام السوري لا يريد عودة اللاجئين في لبنان خصوصاً لأنّه يستفيد منهم مادياً من خلال شبكات تابعة للسفارة تجني منهم الأموال بالعملة الصعبة كـ»مساهمة منهم في المجهود الوطني»، وهذا يشمل أصحاب المحلات التجارية والعمال في جميع المجالات، كما أنّ التغيير الديموغرافي الذي أحدثه نظام الأسد لا يتناسب مع فكرة العودة.

 

هل من مصلحة للسنّة في بقائهم؟

 

ــ ثالثاً: إنّ السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية باتوا في أغلبيتهم الساحقة، باستثناء بعض مخيمات عرسال، موالين للنظام السوري، في انعكاس كامل للصورة التي بدأ بها اللجوء في بدايات الثورة، وهذا ما ينبغي أن يدركه اللبنانيون الذين قد تأخذ بعضهم الحماسة الطائفية أو المذهبية ليعتبروا أنّ بقاء السوريين سيكون تغليباً لأهل السنة على سواهم، فهذا وهم كبير يجب إسقاطه، لأنّ هؤلاء ليسوا سوى جيش غير معلن للنظام السوري ولـ»حزب الله» في لبنان، لذلك ينبغي إسقاط لغة التعاطف معهم وإعمال لغة المصلحة الوطنية، وتطبيق معايير اللجوء الفعلية.

 

وحتى لا نُتّهم بالعنصرية نشدّد على تطبيق معايير اللجوء الفعلية، وأعني بها وجود خطر على حياة اللاجئين يمنعهم من العودة، وبناءً عليه، يصبح كل من يدخل الأراضي السورية ويعود منها فاقداً لصفة اللجوء وعليه إذا قرّر البقاء أن يخضع لقانون الإقامة والعمل وأن يطبّق عليه بصرامة، وإمّا أن يعود لأنّه لا موانع حقيقية تحول دون ذلك.

 

في الخلاصة، ينبغي التخلّص من أدبيات اللجوء السوري والانتقال إلى لغة المصلحة وإعمال القانون الذي يضمن للقلّة القليلة من اللاجئين غير القادرين على العودة حقوقهم في الأمان، ويكشف خطورة بقاء الأغلبية التي تمتصّ ما تبقّى من قدرات الدولة ومرافقها وخدماتها، وتهدّد التوازن الاستراتيجي في لبنان لأنّ هؤلاء هم جيش غير معلن للممانعة وتهديد للكيان والصيغة والحريات والاستقرار.