IMLebanon

الهدنة السورية: إنجاز تاريخي لبوتين

لا شك في أنّ اتفاق الهدنة الروسي الأميركي المبدئي في سوريا اقتطع «حصة الأسد» لموسكو من «الكعكة» السورية المتآكلة والمتهالكة من كل جوانبها، ولا ريب في أنّ فلاديمير بوتين مدين في ذلك لباراك أوباما وسياساته الشرق أوسطية الانكفائية، لكنّ الأكيد أنّ هذا الاتفاق، وبمعزل عن مقاصد ومغانم مبرميه، شكّل بارقة الأمل التي لطالما ترقب السوريون أن تلوح في آخر النفق الدموي الذي أغرقهم به العالم علّه يوقف حفلة استنزافهم والتباكي على دمائهم.

ميدانياً الهدنة هشة وآيلة للسقوط في أي لحظة، لكنها سياسياً صامدة حتى اللحظة على دعائم تقاطع المصالح الروسية الأميركية التركية وإن كانت تترنح بين الحين والآخر على حبال الشد المتبادل بين واشنطن وموسكو لتقطيع الوقت و«الكعكة» بحسب ما يطمح كل منهما، وليس أدلّ على صمود الهدنة أكثر من احتمال البناء الجدي عليها وتطويرها نحو اتفاق لوقف النار «موافق عليه» من مجلس الأمن الدولي بعد كشف المستور والمبهم من تفاصيل هذا الاتفاق حسبما يطالب باقي أعضاء المجلس وفي طليعتهم فرنسا تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب ربما خلال اجتماع مجلس الأمن الأربعاء المقبل.

وإذا كان الاتفاق نجح بحد ذاته في الصمود غير أنّ طابعه «السري» الذي حاول أوباما الحفاظ عليه لم يستطع الصمود طويلاً أمام النهم الروسي لكشف تفاصيله التي تظهر حجم الإنجاز «التاريخي» الذي حققه «القيصر» على الشطرنج السورية من خلال دفعه الأميركيين إلى تسليم الخرائط الميدانية لمناطق تواجد بعض الفصائل المقاتلة ضد نظام الأسد وفي مقدمها «جبهة فتح الشام» تمهيداً لضربها وشنّ غارات مركّزة على نقاط تمركزها. وهذا بحد ذاته إنجاز يُحسب لبوتين ويسحب البساط بل وينتزعه من تحت أقدام أوباما العاجز حتى عن انتزاع ولو فتح طريق «الكاستيلو» لإيصال المساعدات إلى أكثر من 250 ألف سوري مدني محاصر في شرق حلب. 

أما من جانب المعارضة السورية المعتدلة التي تعاني الأمرّين ميدانياً بين الغارات الروسية والسورية من جهة والهجمات الإرهابية من جهة موازية، فلا تجاوب ناجزاً مع الأميركيين على الأرض سيما بعد التطور البالغ الدلالة في الإعراب عن الامتعاض من تخاذل إدارة أوباما إزاء الأزمة السورية، وهو ما تجلى خلال الساعات الأخيرة باعتراض «الجيش السوري الحر» على دخول عناصر أميركية لمؤازرة القوات التركية وفصائل المعارضة في تطهير الشمال السوري من التنظيمات الإرهابية. في حين لا تزال المعارضة على المقلب الآخر مرتابة في نظرتها إلى موسكو وترفض التسليم لرغبة القيادة الروسية في عقد جولة محادثات سورية جديدة في جنيف نهاية الشهر قبل أن يتحقق «شرط» إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يحاصرها النظام بغطاء روسي.

دخل الروس سوريا بناءً لاستنجاد طهران ثم سرعان ما أزاح «القيصر» «المرشد» ليتربّع مفاوضاً وحيداً على الطاولة السورية في مواجهة الغرب، واليوم يستعجل بوتين أوباما في آخر أيامه لإبرام الاتفاق السوري والمصادقة عليه في مجلس الأمن لكي يثبّت به مخالب الدبّ الروسي على خارطة سوريا الجديدة.. وهذه المرة بغطاء أميركي وتفويض أممي.

.. ولا يزال أوباما منتظراً عند «باب الهوى» ليفتح له بوتين طريق «الكاستيلو»!