IMLebanon

سوريا والهدنة الهشّة

 

إعتبر المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي-ميستورا أنّ «الضامن الحقيقي لاستمرار اتّفاق وقف إطلاق النار في سوريا هي الولايات المتحدة وروسيا». هذا ما يؤكّد أنّ سوريا باتت اليوم أرضَ الصراعات على النفوذ، وأنّ قرار الحرب والسِلم في يد الدولتين الروسية والأميركية.

إنّ صدور البيان المشترك من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا، حول الهدنة – أو وقف الأعمال العدائية – في سوريا، يؤكّد أهمية هذا الدور. حيث بدأت حيّز التنفيذ منتصف ليل السبت في 27 شباط 2016، وتستثني الهدنة تنظيم داعش وجبهة النصرة.

لقد لاقى قرار الهدنة ترحيبًا واسعًا، خصوصًا من الدول التي تدير الصراع. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصَف اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا بأنّه «خطوة حقيقية لوقف حمّام الدم»، في حين قال مصدر في البيت الأبيض إنّ «تنفيذ الاتفاق بشأن سوريا سيكون صعبًا، وأضاف أنّ وقف إطلاق النار هو الخطوة التالية في محاولة إحراز تقدّم المناقشات لإنجاز التغيير السياسي في سوريا». هذا ما دفعَ بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لكي يصف هذا الإعلان بأنه «بارقة أمل».

لم يخفَ على أحد من قارئي تطوّرات الحرب في سوريا، أنّ الصراع لم يكن يومًا بين الحكومة والمعارضة، ولا بين الأطراف المحلّية المتصارعة. بل بات من المعلوم أنّ معركة سوريا لم تكن إلّا أرض الرسائل على أكثر من اتّجاه. فتداخل المصالح للقوى العالمية، وتضارب النفوذ بينها، دفع بالتشابك على أرض الغير.

فإنّ الصراع الذي بدأ في جورجيا عام 2008 بين روسيا والعالم الغربي لم ينتهِ بعد. بل سَلك مسارَه التطوري – التصاعدي في أكثر من بلد، وعلى أكثر من صعيد، وصراع سوريا اليوم دليلٌ على ذلك.

إنّ ما ذكرَه دي-ميستورا لم يكن زلّة لسان، ولا سَهوًا في معرض حديثه عن سوريا، بل هو الحقيقة بحدّ ذاتها. فالتطوّر الذي حصل بين الأطراف المتصارعة كان تحت نظر القوى الكبرى، وضمن دعمِها المباشر في سبيل تحقيق المكاسب الاستراتيجية لكِلا الفريقين.

لذلك، لم تكن الهدنة رأفةً بآلام الشعب السوري، بل أتت في سياق استراحة المحارب. تلك الاستراحة التي تَعمد كلّ مِن روسيا والولايات المتحدة من خلالها للإفساح في المجال أمام الحلّ الدبلوماسي، علّها تَعمل على:

– إنهاء صراع دامَ خمس سنوات، مع ما ترافقَ من أزمات اجتماعية واقتصادية على كافّة دوَل العالم، خصوصًا أزمة اللاجئين التي تتزايد يومًا بعد يوم، وأصبحَت تشكّل هاجسًا اقتصاديًا وأخلاقيًا عند دوَل العالم.

– إعادة النظر في صناعاتهم العسكرية التي جَعلت من سوريا حقلَ تجارب لمدى فعاليتها. من خلال دراسة نقاط القوّة فيها كما نقاط الضعف وتحسينها. ففي الفيديو الذي وزّعَه «تجمُّع صقور جبل الزاوية» بقيادة حسن الحج علي يُظهر قيامَ مقاتلين بتدمير دبّابة روسية متطوّرة وحديثة بصاروخ «تاو» أميركي الصنع.

– دراسة المرحلة اللاحقة من الوضع القائم من خلال عرض لِما باتت الأرضية مهيّأة له. وأيّ من الأعمال العسكرية أم الدبلوماسية ستكون الأفضل لتحقيق المكاسب ورسم الاستراتيجيات البعيدة المدى.

صحيح أنّ الهدنة ستنعكس على الوضع السوري تحديدًا ارتياحًا ولو جزئيًا. فهذا الشعب قد عاشَ الحرب المدمّرة والجوع والتشرّد على طرقات الذلّ في بلده والعالم. لكن على ما يبدو ستكون هدنة موَقّتة وليست دائمة، لأسباب أبرزُها:

– إنّ الأطراف المتنازعة، العالمية والإقليمية، لم تجنِ ثمارًا جيّدة خلال خمس سنوات، فعلى سبيل المثال لم تستطع روسيا حسمَ المعركة على الأرض نهائيًا. ومشروع الشرق الأوسط الجديد لم يطبّق بعد.

– على الساحة الإقليمية، لم تستطع السعودية وحلفاؤها الإطاحة بالرئيس الأسد ووضعَ نظام مقرّب منهم. كذلك لم تضع تركيا حلّاً لإنهاء آمال الشعب الكردي. وإيران ولاعبوها المحليون والحلم بالهلال الشيعي لم تتحدّد معالمه بعد.

أخيرًا، ومهما يكن، فإنّ التمنّي والترقّب سيكونان سيّدي الموقف عند كل الأطراف. خصوصًا وأنّه لا وجود في الأفق لسياسات مقدّمة من قبَل أحد ولا حتى الأمم المتحدة، قد تعمل على الحلّ النهائي للأزمة. كذلك لم تأتِ الحرب بنتائج واضحة قد تستغلّ لفرَض المعادلات عند أحد. بل جلّ ما سيكون في الأيام المقبلة هدنة هشّة تَخرقها أعمال عسكرية هنا أو هناك، لتبدأ المرحلة الثانية من إعادة التموضع.