IMLebanon

الطائف ثم الطائف

 

فيما لا يزال الوضع الداخلي منشغلاً بحادثة الجبل وتداعياتها على الداخل، ولا سيما على الحكومة التي ما زالت معطلة بقرار من وزير الخارجية الذي يملك مفتاح عودة مجلس الوزراء إلى استئناف جلساته كالمعتاد لإنجاز الملفات العالقة امامه من موازنة العام الحالي إلى موازنة العام 2020، التي يطالب رئيس الحكومة وزراءه بإنجازها قبل العشرين من الجاري فيما يواصل وزير الخارجية جولاته الاستفزازية على المناطق اللبنانية، ويتصرّف على أساس انه هو رئيس الرؤساء وحامل مفتاح الحكم ضارباً بعرض الحائط ما يقول به اتفاق الطائف الذي اوقف مسلسل الحرب الأهلية بالنسبة إلى الصلاحيات وطريقة توزيعها على الرؤساء الثلاثة، أي على رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. في هذا الوقت، وفي ظل القلق الذي يساور فريق واسع من اللبنانيين على اتفاق الطائف نفسه جاءت زيارة رؤساء الحكومات السابقين الخاطفة إلى المملكة العربية السعودية بنداً غير عادي، كونها زيارة غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين المملكة ولبنان على جدول أعمال الحدث السياسي اللبناني، لا سيما وانها جاءت بعد سلسلة طويلة من التجاذبات حول العلاقة بين هذين البلدين الشقيقين، وبعد الكلام الكثير الذي أطلق من جانب فريق من اللبنانيين ضد الحكم السعودي، والكلام الأكثر الذي اثير حول الطائف، وتجاوز هذا الاتفاق لجهة صلاحيات رئيس مجلس الوزراء التي نص عليها بوضوح هذا الاتفاق وأدى إلى إرساء السلم الأهلي الذي وصل خلال الحرب الأهلية إلى حافة الانهيار وارتفع حينها منسوب الكلام أو الاحتمال عن تقسيم لبنان إلى كانتونات طائفية ومذهبية، وعن استحالة عودته إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية دولة واحد موحدة تضم تحت جناحيها كل المكونات الطائفية والمذهبية والعرقية.

 

هذه الزيارة لرؤساء الحكومات السابقين، وما صدر من بيانات وتصريحات عن الرؤساء الثلاثة بعد اجتماعهم إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وفريق عمله، تُشير بوضوح إلى مدى اهتمام المملكة بلبنان وحرصها على أمنه واستقراره، وعلى استمرار العلاقة بين كل مكوناته طبقاً لما رسمه اتفاق الطائف الذي كانت الحاضنة والراعية له، بحكم هذا الحرص على وحدته الداخلية وعلى الحفاظ عليه ضمن محيطه العربي وحرصها بالتأكيد على أهل السنَّة فيه، وعلى ان ما يمسهم يمس المملكة نفسها كما نقل رؤساء الحكومات السابقين عن الملك سلمان بن عبدالعزيز، وما أتت عليه التصريحات التي أدلى بها هؤلاء الرؤساء من ضرورة العودة إلى المبادئ الأساسية التي تجمع بين اللبنانيين من خلال إعادة الاعتبار لاتفاق الطائف وإلى الدستور الذي انبثق منه، حيال المحاولات الجارية لتعديله.

 

إن هذه الزيارة لرؤساء الحكومات السابقين إلى المملكة العربية السعودية أتت في أعقاب سلسلة تطورات داخلية كثيرة وكلام أكثر حول مصير اتفاق الطائف والصلاحيات التي اعطاها لرئيس مجلس الوزراء، وما حصل بعد ذلك من افتئات أو تجاوز لهذه الصلاحيات، ما حدا بالرؤساء الثلاثة إلى إصدار أكثر من بيان حذروا فيه من الافتئات على هذه الصلاحيات، بالإضافة الى التحذير من خروج لبنان عن سياسة النأي بالنفس التي شكلت، ويجب ان تشكّل، القاعدة الأساسية لأي حكم ولأية حكومة، ما من شأنه ان يحتم على المملكة الحريصة على أمن واستقرار هذا البلد وعلى ان يبقى داخل المنظومة العربية وداخل محيطه العربي، ضرورة استعادة حضورها الفاعل على الساحة اللبنانية وضرورة ان تتفهم المملكة واقع هذا البلد المعقد بدعم رئيس الحكومة، بما يمثل، وفق ما نص عليه اتفاق الطائف.