IMLebanon

إنتخابات تنورين… توافُق أو معركة «كسر عضم»؟

لا يستطيع أحد من القوى السياسية والعائلية إنكارَ حجم الإحتقان الذي وصلت إليه المعركة الانتخابية في تنورين، حتّى لو رفَع الجميع شعار الإنماء، تلك البلدة التي تُشكّل صلة وصل بين محافظات الشمال وجبل لبنان والبقاع نظراً إلى المَساحة الشاسعة التي تتمتّع بها، تترقَّب ما ستؤول إليه الإتصالات الناشطة وهل ستتّجه نحو معركة بلدية أو توافق شامل.

تسبح تنورين حتى الساعة عكس التيار. في السابق، كانت المعارك تدور في معظم البلدات المسيحية المجاورة فيما تنعم هي بالاستقرار، لكنّ المشهد تغيّر اليوم. ففي حين أُعلن التوافق في زغرتا ويسعى الجميع الى توافقات في بشري والكورة وجبيل وجونية وزحلة وبيروت، يبدو أنّ تنورين ستكون ساحة المواجهة شبه الوحيدة إن لم يحصل تطوّرٌ ما.

فلم تصلها حتى الساعة التوافقات المسيحيّة، وربما إنعكست هذه التوافقات سلباً بعد توتر العلاقات بين «القوات اللبنانية» ووزير الإتصالات بطرس حرب على خلفية موقف الدكتور سمير جعجع من النواب المسيحيّين المستقلّين والخلاف على الملفّ الرئاسي، بعدما أعلن حرب تأييده النائب سليمان فرنجيّة، لذلك تتّجه الأمور الى معركة سياسية تتداخل فيها الحساباتُ العائلية وتصل الى حدِّ الصراع على الزعامات.

يبلغ عدد الناخبين في تنورين نحو 12 ألف ناخب ذات غالبية مارونية صرف، ويتكوّن مجلسها البلدي من 18 عضواً، وتتألف من مجموعة عائلات، وتشكّل عائلة حرب ما يزيد عن الـ55 في المئة من سكان البلدة، أي إنّها العائلة المسيطرة، في حين تتقاسم عائلات مراد وطربيه ويونس ومطر وعائلات صغيرة أخرى بقية النسب. وقد عزّز نفوذ آل حرب في تنورين، إنفصال بلدة شاتين التي تتكوّن من العائلات المنافسة لهم.

ومع إقتراب موعد الإنتخابات، زاد التنافس بين «القوات» وحرب من تعقيد الحسابات، ومن المعروف أنّ هناك قاعدة مشترَكة بين هاتين القوتين داخل عائلة حرب التي تنتمي تاريخياً الى التيار الشمعوني ولم تستهضم بقية الأحزاب والقوى، فمناصرتها للرئيس كميل شمعون بدأت منذ تولّي النائب الراحل جان حرب (عم الوزير حرب) النيابة، فشكل عامل صدّ لبقية الاحزاب ومنها حزب الكتائب، «الكتلة الوطنية» والتيار الشهابي، فبقيت تلك المنطقة عصيّة على الاحزاب، إذ إنّ التنافر بين عائلة حرب والكتائب ما زال منطبعاً في ذاكرة مَن عايشوا تلك المرحلة، فيما لا تخلو أيّ جلسة سياسية بين أبناء البلدة من الكلام عن شمعون وكيف كان يأتي الى المنطقة للصيد.

وبعد إندلاع الحرب الأهلية، ورفض حرب إنشاء تنظيم مسلّح، إنضمّ عدد من الشبان الى «القوات اللبنانية»، ونتيجة قوة «القوات» وتمركزها في تنورين وجرود البترون فيما كان الشمال تحت السيطرة السورية، نمَت «القوات» وباتت قوّة أساسيّة في المنطقة.

أين الإنماء؟

إذا كانت العناوين السياسية تطغى على المعركة المرتقبة أو التوافق المحتمل، إلّا أنّ هناك عنواناًَ إنمائيًاً يشغل بال أهل البلدة ويعبّرون عنه في مجالسهم الخاصّة. فهم يتطلّعون الى بشري وإهدن والكورة وجبيل والبلدات المجاورة ويرون الإنماء، بينما تفتقد تنورين الى أبسط المقوّمات خصوصاً في فصل الشتاء، فيهجرها أهلها ويتوزّعون على المناطق الساحلية من الكورة وصولاً الى بعبدا.

وكتعبير عن الوضع المتردّي، يسأل أهالي تنورين: «هل يجوز ألّا نجد في تنورين برّاد تفاح وهي أكبر البلدات المنتجة للتفاح؟ هل يُعقل أن تكون المعالم السياحية مهملة مثل بالوع بلعة وأرز تنورين، وهل يُعقل عدم وجود مطعم في البلدة؟ ولماذا وقف الأوتوستراد عند مدخل البلدة بعدما نفّذ من البترون وصولاً الى دوما، مع العلم أنّ مجلس الوزراء أقرَّ المشروع منذ مدة؟».

ويتابعون: «بدلاً من أن تكون منطقة جوار الأرز عامرة ومزدهرة بالمطاعم والفنادق ومراكز التزلّج، نرى أنّ بعض القوانين الجائرة منع المواطنين من البناء في مساحة بعيدة كلّ البعد من المحميّة؟ وماذا عن وضع المدرسة الرسمية والمستشفى؟»

تُعتبر هذه الأسئلة نموذجاً بسيطاً عن الأسئلة التي يطرحها أبناء البلدة، الذين ضاقوا ذرعاً من غياب خطط التنمية، وأصبحوا مهجّرين داخل وطنهم، في حين أنّ بلدتهم ليست في الأطراف، بل تتوسّط جبل لبنان والشمال، ولم تتعرّض للتهجير والتدمير أيام الحرب، بل شكلت ملجأً للمناطق المجاورة.

إجتماعات حرب – «القوات»

في حين لم تخرج أيّ لائحة لتجيب عن الهمّ الإنمائي حتّى الساعة، يستمرّ التواصل بين مخنلف المكوّنات، وعلى رأسهم حرب و»القوات اللبنانية» التي تفاوض بإسمها وإسم «التيار الوطني الحر» وبقية القوى المعترضة. وفي هذا الإطار، عقد اجتماع مساء السبت في منزل حرب في تنورين مع اللجنة المكلّفة من «القوات» التفاوض معه. دام الإجتماع ساعات، وركز على المبادئ والعموميات، ولم يغص في التفاصيل والأسماء والحصص.

ويوضح المسؤول في «القوات» وأحد الأعضاء المفاوضين وليد طربيه لـ»الجمهورية» أنّ «الجوّ كان إيجابياً، وقد نقلنا الى حرب مطالب أساسية، أبرزها تمثيل كلّ المكوّنات وسماع رأي الجميع، وعدم شطب أحد من المعادلة»، لافتاً الى أنّ «حرب كان إيجابياً أيضاً، لكنّه أبدى خشيته من أن تتحوّل البلدية مجموعة تكتّلات تتفجّر من الداخل، واتفقنا على إستمرار الحوار».

ويكشف طربيه «أننا سنعقد اجتماعاً اليوم مع «التيار الوطني الحرّ» وبقية المكوّنات لنقل ما حصل أثناء حوارنا مع حرب»، مؤكداً في المقابل أنّ «هناك أمرين نرفضهما في المعركة وقد أبلغنا «التيار» بهما وهما: رفع شعار «المعركة ضدّ بطرس حرب»، فنحن حلفاء وإذا اختلفنا معه نختلف على الإنماء، والأمر الثاني هو رفض خوض المعركة لإلغاء الآخرين»، مشيراً في الوقت نفسه الى أنّ «القواتيين من آل حرب ملتزمون معنا، أما المؤيّدون فيتأثّر رأيهم بحسابات عائلية دقيقة».

ويكشف طربيه أنّ «النائب أنطوان زهرا إجتمع مع كوادر «القوّات» في قضاء البترون، ليؤكد التحالف مع «التيار» في الإنتخابات، والعمل على إنجاح هذا الحلف».

حرب

من جهته، يُبدي حرب إرتياحاً ومرونة في التعاطي مع الملف البلدي، ويؤكد عبر «الجمهورية» أنه «منفتح على أيّ طرح وأحاور الجميع وخصوصاً «القوات»، أما «التيار» فلا إتصال مباشر معهم، ونحن أناس ديموقراطيون وأرضخ لإرادة الشعب».

وعن إمكان حصول معركة مع «القوات» في حال فشل التوافق، يقول حرب: «أهلاً وسهلاً بأيّ معركة ديموقراطية، مع العلم أنّ «القوات» حلفاؤنا على المستوى الاستراتيجي والوطني واذا حصل أيّ إختلاف في البلدية فهذا لا يُفسد في الودّ قضية»، لافتاً إلى أنه «لن يتدخّل في انتخابات قرى البترون بل فقط في بلدته».

لا يُنكر حرب وجود بعض التقصير في الإنماء، لكنّه يشدّد على أنّ «البلدية المقبلة ستكمل ما لم تستطع هذه البلدية فعله، لكنّنا لا نريد أن نظلمها، إذ إنّ «الشباب اشتغلوا» على رغم وجود بعض المطبات»، معتبراً انه «من المبكر طرح أسماء أو الحديث عن لوائح».

الأسماء المطروحة

في حال سلَكت الأمور منطق التوافق، فإنَّ البحث يجرى على شخصية توافقية، حيث يتداول أهالي تنورين أسماء عدّة أبرزها: سهيل مطر، بول حرب، وسامي يوسف. لكن حتى الساعة لا شيء محسوماً، وفي حال حدوث معركة إنتخابية، فإنّ خيار «القوات» وحلفاءها سيقع على شخصية من آل حرب، لتحقيق خرق داخل العائلة التي تُعتبر صلبة وعصبها مشدود دائماً.

وبما أنّ المعركة أو التوافق سيأخذ طابعاً عائلياً بغطاء سياسي، يُشدّد أحد فاعليات آل مراد، الدكتور جورج مراد عبر «الجمهوريّة» على «أنّ معركتنا مع الوزير حرب هي لمواجهة نهج الإلغاء الذي يعتمده منذ ما يزيد عن 40 عاماً، وشرطنا للتوافق هو أن نُسمّي نحن ممثلينا لا أن يكون التوافق بين حرب ونفسه».

ويوضح مراد أنّ «القوات» و«التيار» قوّتان مرجّحتان في تنورين، لكنّ الثقل الاساسي هو للعائلات، وأنا قريب منهما وفي حال ذهبنا الى معركة سنكون سوياً في مواجهة منطق الإلغاء»، نافياً في المقابل وجود «مشكلة شخصية مع الوزير حرب بل تباين على النهج، فمثلاً إبن شقيقتي جورج سمّور مرشّح على بلدية ديربيلا، وأنا وحرب ندعمه، لذلك لكلّ بلدة ظروفها والإختلاف لا يعني الخصومة والعداوة».

«التيار» يستعدّ

وإذا كان «التيار الوطني الحرّ» يترك لـ»القوات اللبنانية» التفاوض مع حرب، لكنه يُحضّر للمعركة إذا فشل التوافق. وفي هذا السياق، يشدّد مسؤول «التيار» في البلدة سايد يونس في حديثه لـ«الجمهورية» على «أننا نعطي فرصة للتوافق، وفي حال فشل ذلك، فإنّ حلفنا مع «القوات» هو إستراتيجي وعلى مساحة الوطن، وتنورين جزءٌ منه»، معتبراً «أننا لا نرضى بمنطق الإلغاء ونريد الشراكة الفعلية في البلدية»، رافضاً «الدخول في الأسماء المرشّحة أو التي من الممكن دعمها».

يُراهن أهالي تنورين على البلدية الجديدة لكي تحقّق الإنماء الموعود، وتعود بلدتهم الى الحياة مع محيطها، مع أنهم يرفضون تحميل شخص معيّن مسؤولية الإهمال، خصوصاً أنّ قسماً كبيراً من فاعليات البلدة لا يتذكرونها إلّا عند الإنتخابات، فيما تبقى المشكلة الأساس في العقلية العائليّة التي لم تستطع المنطقة تخطّيها، وتقضي على كلّ أمل تطويري، فيما أبناء البلدة يتولّون المناصب المتقدّمة في الخارج ومنهم مَن وصل الى الرئاسة في بلاد الإنتشار، وفي الداخل منهم مَن كان مؤهّلاً دائماً لتولّي رئاسة الجمهوريّة وقيادة الجيش ومراكز متقدّمة، أمّا في داخل بلدتهم فيُصنّفون على أساس أنهم من هذه العائلة أو تلك.