IMLebanon

رفض التكنوقراط… مؤامرة أم هيبة؟

 

إذا صحّ أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله طلب من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل موعد الاستشارات إلى حين جلاء الأمور، فهذا ليس صحيحاً، أولاً في الشكل، وثانياً في المضمون.

يبدو جلياً أنّ هناك معادلات جديدة أرساها الشارع، أسقطت ولو جزئياً القبضة الحديدية لـ«حزب الله» على القرار السياسي. فعَجز أمام سعد الحريري وأمام اللبنانيين عن تسويق فكرة حكومة تكنوسياسية، محاولاً مع حلفائه حل الأمور على الطريقة التقليدية اللبنانية، اي «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، من دون أن ينجح في إخضاع الحريري هذه المرة، ولا في إنتاج حكومة تحمل توقيع الضاحية، ولا في ملاقاة الشارع الثائر في نصف الطريق.

 

جبهة «بيت الوسط» ليست أحسن حال، فرغم أنّ إعلان سعد الحريري انسحابه من السباق الى رئاسة الحكومة كان «ضربة معلّم» للبعض، إلّا أنه لم يستطع ان ينال مطالبه لتشكيل حكومته، فرفض الرئيس نبيه بري ان يمنحه صلاحيات استثنائية لحكومة تكنوقراط أصلاً يعارضها «حزب الله»، بل يعتبرها مؤامرة ضده، قاطعاً بالموازاة الطريق على أيّ انتخابات مبكرة، قد تُفقد الثنائي الشيعي ما يمتلكه اليوم من غالبية في مجلس النواب.

 

التكنوقراط… والمؤامرة!

في قراءة موضوعية لموازين القوى الحالية، لا شك في أنّ الحراك فرض حالياً موازين قوى جديدة توازي أقلّه قوة السلطة، وربما أكثر، بحسب تطور الأحداث وتسارعها، وتقاطعها ربما مع مصالح إقليمية ودولية، لكن لا يغيب عن المراقب السياسي أن يسأل عن سبب خوف «حزب الله» من حكومة تكنوقراط، خصوصاً أنّ طبيعتها ستكون من اختصاصيين مستقلين، ووظيفتها إنقاذ الوضع الاقتصادي وتلبية خطورة المرحلة وليس تصفية حسابات سياسية.

فإذا كانت مشكلة الحزب تنطلق من طبيعة معنوية، لعدم قدرته على التبرير أمام بيئته خروجه من الحكم بموافقته على حكومة تكنوقراط، فأمر مبرر، لكن أن يعتبرها مؤامرة، فأمر مستغرب، فيما هو يمتلك من عناصر القوة ما تخوّله إحباط أيّ مؤامرة.

 

إمتيازات «حزب الله»!

لا يزال «حزب الله» يمتلك فائض القوة، أولاً، بفعل امتلاكه للسلاح، الذي يمكنه استخدامه عند أي عمل يعتبره استهدافاً له، وبفعل امتلاكه شارعه الخاص الذي أثبتت الأيام الأخيرة انه لن يتوانى عن استخدامه في سبيل تغيير المعادلات السياسية، فقد يفرمل أي حكومة ويعطّلها اذا أراد.

 

على المستوى الحكومي، يملك الحزب أحد أجنحة السلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية، وهو الذي أبدى ثقته به السيّد حسن نصرالله مرات عدة، كونه الحليف الاستراتيجي للمقاومة. وبالتالي، يمكن للحزب في حكومة تكنوقراط أن يراهن على شخص الرئيس عون لتعطيل أو تمرير أي قرارات أو مشاريع تضرّ به.

 

بالتوازي، يملك «حزب الله» الأكثرية النيابية التي تستطيع ان تعطّل ما يراه مضرّاً بتوجهه الاستراتيجي.

 

كما أنه في حال وجود سعد الحريري على رأس هذه الحكومة، فلا يجب أن يشكل ذلك خطراً على الحزب، فهو امتحنه، والحريري نجح في الامتحان، وذهب بالتسوية الى حدود ربط النزاع، فلم ولن يحكم ضد «حزب الله».

 

إنطلاقاً من هذه المعطيات، يرى عضو «كتلة المستقبل» النائب محمد الحجار لـ«الجمهورية» انّ طبيعة اعتراض «حزب الله» على حكومة تكنوقراط هي طبيعة معنوية أكثر منها سياسية. فنصرالله أعلن سابقاً أنّ حكومة تكنوقراط مؤامرة ضده، وبالتالي أصبح أسير هذه المعادلة، وأيّ تراجع منه سيكون بمثابة انكسار امام بيئته، وانكسار لهيبته امام الرأي العام، وأي اهتزاز له على هذا المستوى يكون بداية اهتزاز للحزب، وهذا ما لا يريده».

 

على خط مواز، يقول الحجار: «يعلم «حزب الله» أنّ الأميركيين لا يريدون أي نفوذ له ضمن أي حكومة، لذلك يعمل على ان يكون له وجود مباشر وتقني ضمن أي تشكيلة جديدة». علماً أنه وفق معلومات «الجمهورية» فإنّ الحريري أبلغ الى الحزب أنّ حكومة اختصاصيين لن تأخذ أي قرارات ضده، وهي ستكون لفترة زمنية محددة، ومهمتها الاصلاح المالي والاقتصادي.

 

وفي هذا السياق، يعتبر الحجار أنّ «الهمّ الداخلي اليوم هو اقتصادي ومعيشي ومالي، وحتى أكثر الأطراف على تماس ومواجهة مع «حزب الله» تحاول طمأنته الى أنّ المسألة مَحض معيشية ولا دخل للسلاح بأيّ طروحات سياسية». ويؤكد الحجار أنّ «سعد الحريري لن يسمّي وزراء يمثلون «تيار المستقبل» في حكومة لا يرضى عنها».

 

الوجه الآخر لرفض التكنوقراط؟

إنطلاقاً من هذه المعطيات، يقول مصدر سياسي لـ«الجمهورية» إنّ المخاوف التي يثيرها «حزب الله» ليست في محلها، إلا إذا كان الهدف المحافظة على المكاسب السياسية والمالية لحليفه «التيار الوطني الحرّ» الذي سَلّفه غطاء السلاح غير الشرعي منذ الـ2005، والدفاع عنه في الأروقة الديبلوماسية العربية والدولية.

 

وبالانتظار، الأيام المقبلة ستُظهر هل يقتنع الحزب بضرورة ما تتطلّبه طبيعة المرحلة وخطورتها، أم يقبل بهبوط الهيكل على الجميع حفاظاً على هيبته؟.