IMLebanon

الهدنة لا تلغي التسخين

 

 

سواء كان للإفراج عن اجتماعات الحكومة التي ستدرس الأسبوع المقبل الموازنة وقضايا حياتية أخرى، علاقة بالتطورات الإقليمية وبمفاوضات فيينا واللقاءات السعودية الإيرانية أم لا، فإن الواضح أن عودة مجلس الوزراء مشروطة بجدول الأعمال الذي حدّده بيان الثنائي الشيعي والذي اقتصر على الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي.

 

رأى البعض في هذا التحديد الذي يمكن تمدده نحو «القضايا الحياتية» التي ذكرها الرئيس نجيب ميقاتي أمس، ردّاً على حصر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جدول أعمال الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي بقضايا محددة، والتي رد عليها رئيسه نبيه بري بالتأكيد أنه «سيد نفسه».

 

يشي كل ذلك بأن تراجع «الثنائي الشيعي» عن شروطه كي ينعقد مجلس الوزراء ليس سوى نوع من الهدنة أو الاستراحة التي فرضها التدهور المعيشي والمالي، خلال فترة شلل الحكومة من جهة والتي قد تكون رافقت بعض أجواء التقدم في مفاوضات فيينا من جهة ثانية، على وقع تعدد القنوات الخلفية للتواصل بين مفاوضي الولايات المتحدة الأميركية وبين إيران من سلطنة عُمان إلى هلسنكي في فنلندا… وكلها يدور حول إمكان التوصل إلى اتفاق إطار حول تجميد طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية، مقابل الإفراج عن بعض أرصدتها المالية المجمدة، في بعض العواصم، على أن يستأنف التفاوض لاحقاً حول اتفاق تفصيلي…

 

الهدنة، لبنانياً تعني أن تمرير الموازنة في ظل الحاجة إلى إقناع صندوق النقد الدولي بأن الدولة اللبنانية تقوم بـ»بعض» ما هو مطلوب منها، ومنه تحديد سعر صرف واضح للدولار الأميركي بدلاً من وجود أربعة أسعار حتى الآن تتسبب بفوضى الأسواق وتمنع أي جهد لضبطها. فأرقام هذه الموازنة يفترض أن تستند إلى سعر صرف واحد حتى تؤخذ هذه الأرقام بجدية، وحتى يكون ذلك من الحوافز لاقتراح الصندوق دفعة مساعدات مالية أولية تتيح تحريك الاقتصاد وضبط الأسواق.

 

لكن الهدنة تعني أيضاً استئناف المنازلات في مجالات أخرى. ومثل الوضع الإقليمي المتحرك والمضطرب، فإن أجواء التقدم المفترض في فيينا، والبحث في عودة تبادل البعثات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، لم يحل دون الاستهداف الخطير لمطار أبو ظبي الذي تسبب بموجة استنكار عارمة دولياً وإقليمياً، مع ارتفاع لهجة واشنطن الداعية إلى «محاسبة» الحوثيين، متجنبة الإشارة إلى الدور الإيراني في تصعيد نوعي كهذا.

 

وإذا كان التسخين العسكري يلازم التفاوض على دور طهران الإقليمي عبر أذرعها لا سيما في اليمن، الذي شهد مستجدات ميدانية نوعية في الأسبوعين الماضيين في استعادة جزء كبير من محافظة شبوة من الحوثيين وفك الحصار عن مأرب، فإن هذا يعني أن باب التفاوض على دور طهران الإقليمي ليس مفتوحاً حتى يراهن البعض على انعكاس بعض خطوات التقدم في تفكيك بعض الألغام في اتفاق الإطار في فيينا، في الإقليم ومنه لبنان. فالتساهل الأميركي في الإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية يقود طهران إلى التشدد في التمسك بأوراقها. وضرب مطار أبو ظبي حصل على رغم خطوات الانفتاح الإماراتية على طهران. وسبقها تبادل لزيارات الوفود، وكان أبرزها زيارة مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد إلى إيران ثم اتصال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بنظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد ودعوته إياه لزيارة طهران…

 

في لبنان لن تمنع الهدنة استمرار «الحزب» والثنائي في شل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار ومحاصرته. وتمرير الموازنة لا يعني أن «حزب الله» سيركن إلى ما آلت إليه خطوات القضاء، حتى لو كان فقدان النصاب في الهيئة الاتهامية في محكمة التمييز بسبب تقاعد أحد قضاتها، يؤجل النظر بدعاوى مقامة لكف يده ويجمد تحقيقاته. فـ»الحزب» يطالب ميقاتي بالسعي إلى اتخاذ قرارات تضمن الحد من صلاحيته في ملاحقة الوزراء والنواب بإحالتهم على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ويرفض حجة رئيس الحكومة بعدم التدخل في السلطة القضائية، بحجة أنه تدخل من أجل الحؤول دون ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. أما الفريق الرئاسي فإن نزع حجة تجميد عمل الحكومة من يده للضغط على رئيس الحكومة، لا يعني أنه سيتراجع عن مطالبته بإدراج تعيينات إدارية وقضائية ودبلوماسية على جدول الأعمال، الأمر الذي يرفضه ميقاتي لامتناعه عن تقديم هدايا قبل الانتخابات النيابية. كما أن فريق رئيس الجمهورية وصهره لن يتوقفا عن تحدي بري خلال الدورة الاستثنائية بتقديم اقتراحات قوانين تستهدف محاولة تعديل التعديل على قانون الانتخاب، من أجل استعادة المقاعد الستة للاغتراب…