IMLebanon

طهران فشلت في ترسيم الحرب على «داعش»

في الوقت الذي كان التشاؤم سيِّد الموقف خلال الساعات الماضية، بعدما حدث في اليمن، انقلبَت الأوضاع رأساً على عقب مع تسجيل أولى الغارات الجوّية والضربات الصاروخية التي شنَّتها طائرات «التحالف الدولي» ضدّ أهداف تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» معاً.

أجواء العاصمة الأميركية كانت تُوحي بأنّ تعقيدات كثيرة قد تفرض نفسَها، بعدما تمكّنت طهران من تسجيل «انتصار» في المنازلة الإقليمية القائمة، في مقابل الجولات السابقة التي «خسرَتها».

غير أنّ بدءَ العمل العسكري ضدّ مواقع «داعش» الرئيسة ـ البعض تحدّث عن أكثر من 60 غارة ـ بمشاركة خمس دول، أربعة منها عربية، عكسَ انطباعاً بأنّ ما شهدَته اليمن قد لا يكون بحجم المخاوف من مفاعيله على مستوى التوازن الإقليمي.

تقول أوساط أميركية مطّلعة «إنّ «سقوط» صنعاء لم يؤدِّ إلى تراجع «حماسة» الدول العربية التي أكّدت دعمَها وتأييدها بدءَ تنفيذ الهجمات ضد «داعش». لا بل هناك من يعتقد أنّ الردّ على إيران سيكون في دمشق نفسها، خصوصاً أنّ دوائر عسكرية وأخرى استخبارية كشفَت أنّ تدريب المعارضة السورية المعتدلة كان قد بدأ حقيقةً وقبل مدّة سبقت إعلان الإدارة الأميركية رسمياً تخصيص 500 مليون دولار لتدريبها وتجهيزها».

وتضيف تلك الأوساط: «لو كانت الدول العربية التي بدأت المشاركة في هذه الحرب، تشعر بأنّ جهود واشنطن غير صادقة ولا تضع في حساباتها مستقبل نظام الرئيس السوري بشّار الأسد منذ البداية، لمَا أمكن إقناعها بالمشاركة».

وتشير إلى «أنّ كثيراً ممّا لم يُكشَف عنه في المرحلة السابقة عن طبيعة التحضيرات القائمة، كان يأخذ في الاعتبار ما تُحضّر له طهران في «الخاصرة» الخليجية في اليمن».

نشاط إيران في اليمن لم يكن خفيّاً ولا مُفاجئاً، والتحذيرات من إقدامها على «مقايضة» ما حدث في العراق وما يُحضّر له في سوريا بما ستقوم به في اليمن، لم يكن مجهولاً.

غير أنّ رفضَ واشنطن طلب طهران مقايضة دورها في محاربة «داعش» في مقابل حلحلة في ملفّها النووي، يعكس في جانب منه أنّ ما كانت تسعى إيران إلى تحقيقه في اليمن عبر تجميع أوراق القوّة في يدها، إحساساً منها بأنّ فترة الاستعدادات للحرب على «داعش» قد تطول، هو في الحقيقة ردّ أميركي حاسم على عدم إمكان قلب الأدوار معها، في وقت تُدرك واشنطن أنّ النجاح في هزيمة «داعش» غير ممكن بلا دعم «الدول السنّية» في المنطقة ومشاركتها.

يؤكّد مسؤول أميركي بارز «أنّ ما حدث كان إمعاناً من إيران في تعقيد المشهدين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يَطرح علامات استفهام كبرى في شأن مستقبل الاستقرار في المنطقة، في وقتٍ تُساق الأوضاع إلى حدود خطرة، قد لا تسمح بتوقّع نهايات وشيكة لحمّام الدم المنتشر فيها».

في المقابل، هناك من ينظر بعين الريبة إلى مستقبل موقع تركيا ودورها وعلاقاتها مع المنطقة برُمّتها، في الوقت الذي تحاول فيه قيادتها القديمة – الجديدة ترسيخَ مواقع نفوذها كزعيمة لأهل السنّة، في طريقةٍ ستقودها إلى مواجهة حتمية مع إيران، زعيمة الشيعة.

محاولات طهران استعادةَ لغة التشدّد في العراق، مع تصاعد النبرة الحادة لميليشياتها الشيعية، سواءٌ عبر التحذير من التحالف مع الأميركيين، أو عبر تعطيل تعيين وزيرَي الداخلية والدفاع في الحكومة الجديدة، لا تبدو قادرة على وقف القرار الدولي الذي تدفع به واشنطن في هذا البلد أو في سوريا، في حين يثير سقوط قاعدة عسكرية للجيش العراقي في منطقة «الصقلاوية»غرب بغداد، تساؤلات عن نوعية الصعوبات التي تعترض قتال «داعش»، في ظلّ عودة الغموض إلى مخرجات العملية السياسية في العراق.

في المقابل، ترفَع تركيا وتيرة الضغط على الأكراد، مع تكشُّف وجود صفقة أنتجَت إطلاقَ المخطوفين الأتراك الـ46، في الوقت الذي طلبَت فيه أنقرة صراحةً من واشنطن السماحَ بإقامة منطقة عازلة على حدودها مع كلّ من سوريا والعراق.

أمّا في سوريا، فتُصعِّد أطراف عدّة القصفَ والاغتيالات والتطهير المناطقي، قطعاً للطريق على أيّ سيناريوهات لا تتناسَب مع مصالحها القريبة والبعيدة. هكذا يُنظر إلى الاغتيال الذي طاولَ وقد يطاول مزيداً من القيادات الميدانية «المحسوبة» على الأميركيين، والتداخل بين جماعات «داعش» و«النصرة» مع عمليات النظام في مناطق عدّة.

الأمر نفسه ينسحب على لبنان، حيث تضغط إيران والنظام السوري لجَرِّه «رسمياً» إلى الموقع الذي قد لا يُمكن بعدَه الحديث عن «نأي بالنفس»، وإسقاط المظلة الدولية التي لا تزال تمنع تَفجُّرَه بنحوٍ دراماتيكي حتى الساعة، تحت عناوين وحدة مواجهة التطرّف والإرهاب، في كلّ من سوريا ولبنان.