IMLebanon

«الإرهاب» سيّد العصور «إسلام» لا «إسلامات»

ميرفت سيوفي – 

يُقابل «الهرطقة» و»التجديف» في الاصطلاح المسيحي، لفظيْ «الزّندقة» و»الكفر» في الاصطلاح الإسلامي، وعند الطرفيْن هناك من نصّب نفسه مكان الله وتولّى محاسبة خلقه نيابة عنه… وليس حقيقيّاً اعتبار المحللين السياسيّين في زمننا أن «القضيّة الفلسطينيّة» وأزمتها وعدم التوصّل إلى حلّ عادلٍ لها هو سبب انفجار الإرهاب على يد تنظيم القاعدة، فنشأة الإرهاب قديمة وعمرها من عمر الأديان أيضاً، ونظرة على تاريخ المسيحية والإسلام ستجعلك تتوقف عند ظهور لفظ «الاستشهاديّين» الذي بدأ مع المسيحيين في الأندلس، واتخذ أسماءً متعددة نُسبت إلى الإسلام الذي نهى نبيّه صلوات الله عليه عن توزيع ألقاب الشهادة على قتلى المسلمين في حروبهم، ومع هذا تفشّى لفظ برغم النهي عنه، وشهد القرن العشرين وباءً اجتاح المنطقة العربيّة تحت مسمّى «فدائي»، وخرج لفظ «الاستشهاديين» إلى الضوء بفتوى «خمينيّة» مع التفجيرات «الإرهابيّة» التي اجتاحت العالم في ثمانينات القرن الماضي.

بدأ الإرهاب كظاهرة في تاريخ المسلمين مع فرقة «الخوارج» وهم مجموعة من «شيعة» حاربوا في جيش الإمام علي ـ كرّم الله وجهه ـ في واقعة صفّين ثم خرجوا عليه ـ ومن هنا جاءت التسمية ـ وكفّروه واتخذوا قراراً بقتله هو ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، ونجحوا في قتل الإمام عليّ وفشلوا في اغتيال معاوية وابن العاص، وكفّروا كلّ المسلمين واعتبروا أنهم الفرقة الوحيدة التي على صواب، وعلى منوالهم نهجت كل الفرق والأحزاب والتنظيمات الإسلامية المتطرفة والإرهابيّة…

وهنا لا بُد من لفت القارئ إلى أن الانقسام الذي ضرب بنية المسلمين اتّخذ الطابع العقلي في القرن الثاني للهجرة مع ظهور أولى فرقهم وهي «المعتزلة»، ومع أنّ التفرّق كان عقليّاً تحت مسمّى علم الكلام ـ الذي نسبوا نشأته للرد على مجادلات المسيحيين لهم حول الذات الإلهيّة ، إلا أنّ المسلمين للمفارقة «نكّلوا» ببعضهم البعض بسبب هذه الفرق، وعرف تاريخ الإسلام أزمة كبرى عُرفت باسم «محنة خلق القرآن» نكّل فيها الخليفة المأمون بسبب اعتناقه فكر المعتزلة، ومن تلاه من خلفاء العباسيّة نكلوا بموظفي الدولة والقضاة وبالفقهاء والأئمة، وأشهر الذين تعرّضوا للإرهاب الفكري لحملهم على اعتقاد المعتزلة بأن القرآن «مخلوق» هو الإمام أحمد ابن حنبل، ولاحقاً مع خليفة جديد نكّل الحنابلة بالمعتزلة وبكلّ الأمّة ونصّبوا أنفسهم ديانين وحماة العقيدة!!

ونظرة على التاريخ المسيحي سنرى تمزّقاً مذهبياً دينياً اعتقاديّاً، عُرف باسم «الانشقاق الكبير» أو «الجدل الكبير» وهو انشقاق كنائس الشرق والغرب الخلقيدونية عن بعضها البعض، مشكلة بذلك فرع غربي لاتيني (كاثوليكي) وفرع شرقي بيزنطي (أرثوذكسي)، وعادة يرجع تاريخ هذا الانشقاق إلى عام 1054، وأصل الخلاف ـ برأينا هو نزاع سلطويْ ـ هو قرار البابا ليو التاسع، الذي طالب بأن يكون له سلطة على البطاركة اليونان الأربع في الشرق، وأيضا رغبة الغربيين بإضافة عبارة على قانون الإيمان النيقاوي حول انبثاق «الروح القدس من الابن أيضا إضافة للآب»… وفي التاريخ المسيحي أسماء كثيرة تركت للعامّة أمر إحراقهم لأنّ رجال الدّين لا يُنفّذون أحكام الإعدام بأيديهم…

ونلفت هنا إلى أن لفظ «إستشهاديين» الذي عرفه التاريخ المسيحي بدأ في «الأندلس»، التي قامت دولتها على أنقاض الخلافة الأموية في دمشق، وفي الوقت الذي كان فيه الراهب «إيلوخيو» ابن العائلة المستعربة الذي أنشأ حزباً متعصباً بعد فشل سعيه لحمل الشبان المسيحيين على قراءة اللغة اللاتينية؛ فوضع لهم شعرًا لاتينيًّا، بسبب إقبالهم على تعلّم العربية، فتحوّل وحزبه إلى مهاجمة الإسلام وأخذ يحرّض شبان المسيحيّة على «الاستشهاد» وبطريقة عجيبة فما كان على طالب «الاستشهاد» إلا أن يذهب إلى مكان عام كالمساجد و الميادين العامّة ويسُبّ الإسلام والرسول – صلى الله عليه وسلم- علناً فيُقبض عليه ويقاد إلى القاضي الذي يحاول إقناعه بالعدول عن أقواله، ولكنّه يرفض ويكرّر السبّ فيأمر القاضي بإعدامه.. وبعدما ضاق المسيحيون المعتدلون ذرعاً بهذا الحزب أصدروا قراراً استنكروا فيه حركة هذا الحزب ووصفوا ما يقوم به بأنها حركة انتحاريّة جنونيّة وخارجة عن تعاليم الكنيسة… في هذا الوقت بالتحديد كان الحال في تاريخ المسلمين أشدّ هولاً وفظاعة، مع مجيء الخلافة العباسيّة من ملاحقة للأمويين وقتلهم وصلبهم وإحراقهم ونبش قبور بني أميّة وإخراج ما تبقّى من عظامهم وإحراقها، بدعوى الانتقام لآل البيت، ولم يلبث العباسيّين والطالبيّين أبناء عمّيْ النبيّ ـ صلوات الله عليه ـ العباس وأبو طالب، إلا أنهم انقسموا على بعضهم وقتل بعضهم بعضاً!!  

ما نودّ الخلوص إليه، أنّ أتباع الأديان في محنة وإن لم يعترفوا بها، وعندما فرّق الإسلام بين لفظ «مسلم» و»مؤمن» وضع حدّاً بين الإرهابي والمؤمن، فمن إرهاب «داعش» إلى إرهاب «الخميني» يدّعي الاثنان الإسلام، ومحاربة   «التكفير» والاثنان تكفيريّان إرهابيّان، نواجه اليوم «إسلامات» كثيرة، وهذا التاريخ سيبقى يعيد إنتاج نفسه بصياغات تختلف باختلاف الزمن، وقناعتنا النهائية اليقينيّة التامّة نختصرها بما ورد في الأثر النبويّ الشّريف بأنّ «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده».