IMLebanon

عبثية الداخل تفتح شهية العدو

 

ينتقل المشهد الداخلي من أزمة لأخرى، وينتقل كالنار في الهشيم من محاضر السياسة الخاصة إلى الشارع على النحو الذي شهدته التطورات الأخيرة على خلفية ما ورد في الفيديو المسرّب على لسان الوزير باسيل متناولاً به الرئيس بري في إساءة استفزت مَن يُؤْمِن بالدولة ولا يزال يعوّل على مستقبل أفضل بفعل التوافق بين مختلف التيارات لدفع عجلة العهد إلى الأمام، وإخراج لبنان من مستنقع الجمود القاتل!

إلا ان الخطاب المتدني الذي جرّد وزير الخارجية من ديبلوماسيته وأثار جمهور الرئيس بري لدرجة النزول إلى الشارع والانجراف نحو موجة من العنف كان من ممكن ان تأخذ البلاد والعباد الى المحظور، أظهر هشاشة التوافق الآني المبني على المصالح الخاصة، وانجرار كل طائفة وراء زعامتها في حين غاب الوطن عن المعادلة وسلّم الأولويات!

إن استمرار سياسة شد العصب لمصالح انتخابية والتمترس خلف المواقف، يُعمّق الهوّة بين مكوّنات الوطن الواحد ويشق الصف في مواجهة التحديات الكثيرة، إن كان من ناحية النيران المشتعلة في دول الجوار، او التهديدات الإسرائيلية التي سارعت وانتهزت فرصة انفلات الشارع الحاصل في الأيام الاخيرة ليشكك ليبرمان بأحقية لبنان في البلوك ٩، في تحد وتعد صارخ على سيادة لبنان وقدرته على صون موارده.

إن ارتدادات سوء الأداء السياسي لم تعد تنعكس على العهد فحسب، بل على المستقبل السياسي والاقتصادي للبلد برمته؛ وإن لم ينجح الرئيس عون في احتواء الأزمة وتفويت الفرصة على القريب والغريب بالاصطياد في المياه العكرة، ستدخل الدولة في دوامة شلل وتعطيل تفتح الساحة الداخلية على كل الاحتمالات، وتفوّت مرة جديدة سبل استثمار الجهود الدولية لدعم لبنان من خلال مؤتمري باريس وروما، ناهيك عن الإمعان في تشويه صورة التعايش التي يعوّل عليها أصدقاء الوطن!

إن الأخطاء تقع ولكن التشبث بها وعدم التراجع عنها، خاصة إذا ما تجاوزت الخاص إلى العام، تصبح جريمة وطنية، وتقع مسؤولية تطويقها على القيادات العليا… وبالتالي تماماً كما أن الكرامات خط احمر في الخطاب السياسي، فإن الاستقرار وأمن المواطن خط احمر لا يجوز تهديدهما واستعمالهما كورقة ضغط ، لأن الأخير لا يزال يكافح ليتجاوز التقصير الرسمي تجاه ملفاته الحياتية الملحة من ماء وكهرباء ونفايات يدفع فاتورتها من حسابه الصحي الخاص.

إنها استحقاقات كثيرة داخلياً وخارجياً لا يمكن مواجهتها بجبهة داخلية مضعضعة على النحو الحاصل اليوم، وإذا أثبتت الطبقة السياسية ومَن يتبعها أنها أكبر من الدولة ومؤسساتها لحل الأزمات، كيف نتوقع من المجتمع الدولي أن يعترف ويحترم دولة المؤسسات المعطلة، إن كان من ناحية دعمها أو الاحتكام للقانون الدولي لحل نزاعاتها مع العدو؟ وبالتالي يبقى ترتيب البيت الداخلي أهم الأولويات للحفاظ على ما تبقى من مظاهر الدولة.