IMLebanon

شروط عودة سوريا إلى الجامعة العربية

 

اجتمع وزراء ومسؤولون كبار من دول مجلس التعاون الخليجي الست بالاضافة الى كل من مصر والعراق والاردن يوم الجمعة، في 14 نيسان في جدّة للبحث في امكانية تطبيع العلاقات مع سوريا، تمهيداً لعودتها الى الجامعة العربية، وبالتالي دعوتها لحضور القمة العربية المقبلة، والتي ستعقد في أيار المقبل في الرياض.

كان قد جرى ان علّقت عضوية سوريا في الجامعة العربية بعد ان شنّ الرئيس الاسد هجوماً دامياً ضد المتظاهرين من شعبه، المطالبين باصلاحات سياسية وبمزيد من الحريات المدنية، في عام 2011. وردّت الدول العربية والقوى الغربية بقطع علاقاتها مع النظام السوري، وما زالت هذه المقاطعة مستمرة منذ 12 عاماً، بعد ان قتل النظام ما يقارب نصف مليون انسان وهجّر نصف الشعب السوري الى الخارج وداخل البلاد.

بدأت خلال هذا العام بعض الدول العربية بتغيير مواقفها من النظام السوري، وقد ترجم ذلك بحركة دبلوماسية جرى فيها دعوة الرئيس السوري لزيارة بعض العواصم العربية، وتبادل الزيارات بين المسؤولين السوريين، ووزير الخارجية السوري مع آخرين من الدول العربية، والتي كانت آخرها زيارة فيصل المقداد وزير الخارجية السوري الى القاهرة واجتماعه مع شكري وزير خارجية مصر.

كانت المملكة العربية السعودية بعد توقيع الاتفاق مع ايران برعاية صينية، التي طالما عارضت التطبيع مع دمشق، قد اعتبرت مؤخراً بأن الزمن قد تغيّر، وبأنه بات من الضروري بدء التقارب مع سوريا. وعبّرت المملكة عن ذلك بدعوتها لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد لزيارتها، حيث عبّر الطرفان عن رغبتهما باعادة فتح سفارتيهما في القريب العاجل، مع قرار بتسريع استئناف الرحلات الجوية والخدمات القنصلية، لاول مرة منذ عام 2011، وقطع العلاقات بينهما.

لكن بالرغم من كل الزيارات السابقة للرئيس الاسد ولمسؤولين سوريين لعدد من العواصم العربية، فإنه سيكون من الصعب تأمين عودة سوريا الى الجامعة العربية، وبالتالي فتح الباب لحضورها قمة الرياض، وكان المؤشر الاكبر لصعوبة او استحالة تحقيق هذا الامر قد جاء من خلال تصريح لرئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني بأنه يستبعد ان تفضي التحركات الدبلوماسية الجارية الى عودة سوريا الى الجامعة العربية، وبأن «كل ما يجري طرحه الآن هو مجرد توقعات، من الصعب ترجمتها على ارض الواقع».

في رأينا، لا يمكن اعتبار الاجتماع الوزاري للدول العربية التسع الذي جرى في جدّة بأنه قد جرى خصيصاً لبحث عودة سوريا الى الجامعة العربية، بل يبدو بأن القسم الاكر منه قد خصص لدرس ولتقييم النتائج المترقبة على الاتفاق السعودي – الايراني، وما يمكن ان تتوقعه هذه الدول من تغييرات في الجيويوليتيك العربي والاقليمي.

لقد ذهب بعض المحللين السعوديين في تقييمهم لنتائج مؤتمرجدة ولزيارة وزير الخارجية السوري الى المملكة، بأنه ما زال من المبكر الحديث عن عودة سوريا للجامعة، وبأن استعجال قرار عودة سوريا من قبل بعض المحللين العرب، هو كلام سابق لأوانه، وبأنه مجرد تمنيات يطلقها بعضهم، مع تجاهلهم لمآسي ومصالح الشعب السوري، وتغييب كامل لمسؤولية النظام عن الجرائم التي ارتكبها نظام الاسد بحق شعبه، ورفضه المتواصل للبحث في اية اصلاحات يطالب بها القرار الدولي 2254.

يبدو بأن الانقسام العربي حول دعوة سوريا لحضور قمة الجزائر لم يتبدد بصورة كاملة، وهذا ما اشارت اليه المقابلة التلفزيونية لرئيس الوزراء القطري، والذي اشار الى اسباب موضوعية تتعلق باللاجئين السوريين، وبالاجراءات والجرائم التي ارتكبها النظام بحق شعبه. يضاف الى ذلك مطالب بعض الدول العربية لسوريا لتعيد النظر في علاقاتها التحالفية مع النظام الايراني ومع حزب الله، ومع حركة حماس، والتي لا يبدو بأن الرئيس الاسد راغب في التخلي عنها او تعديلها. وانه من الطبيعي جداً ان تطالب بعض الدول العربية النظام السوري بإعادة النظر في علاقاته مع ايران وهذه القوى الواقعة تحت هيمنتها قبل الموافقة على دعوتها الى قمة الرياض، وعلى غرار ما حدث في تشرين ثاني عام 2022 قبيل انعقاد قمة الجزائر.

في قراءة موضوعية للتحرك السعودي باتجاه تطبيع العلاقات مع سوريا، فإن الواقعية تدعو الى قراءة ترتبط بالمشروع الاقتصادي الخاص لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبرغبته في التعجيل في حل خلافات المملكة مع كل دول الاقليم، وبدءاً من اليمن وسوريا كخطوة اساسية على طريق اشاعة اجواء عامة من الاستقرار تشجع على تدفقات الاستثمارات الكبرى باتجاه المملكة.

صحيح ان الموقف السعودي قد تغيّر ما بين قمة الجزائر وقمة الرياض للاسباب الموضوعية الخاصة بايجاد اجواء استقرار تشجع على دعم مشروعها الاقتصادي، لكن الموقف القطري الرافض لعودة سوريا الى الجامعة العربية ما زال على حاله، والذي كان قد اعلنه الشيخ محمد بن عبد الرحمن في كانون الاول عام 2022، عندما كان وزيراً للخارجية، مؤكداً عدم زوال الاسباب التي استدعت تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية.

على المستوى الدولي يبدو بوضوح بأن الولايات المتحدة والدول الرئيسية في الاتحاد الاوروبي ما زالت تفرض عقوبات قاسية على النظام السوري وتتوعده بمحاكمته على «الجرائم الانسانية» التي ارتكبها ضد شعبه، وهي ستعبّر حتماً عن رفضها لاعادة تأهيل النظام السوري عربياً من خلال دعوته لحضور قمة الرياض. ما يزيد في تصلّب الموقفين الاميركي والاوروبي ضد النظام تحالفه القوي مع كل من روسيا وايران.

بالرغم من كل الظروف الراهنة والصعوبات المالية والاقتصادية التي تمر بها كل من روسيا وايران، والتي تجعلهما عاجزتين عن تقديم المساعدات اللازمة لدمشق، فإنه لم تتبلور حتى الآن اية مؤشرات بأن الرئيس الاسد راغب في تعديل تحالفاته مع موسكو وطهران، وبما يحقق رغبة الحكام العرب الراغبين بعودته الى الحضن العربي. فالمعروف عن الرئيس السوري اعتماد سياسة التذاكي، والسعي الى قطف ثمار الرغبة العربية لاعادة العلاقات معه، دون اي مقابل. وفي مجمل الاحوال فإن الاستثمارات الايرانية المتنوعة، وبعضها يمتد على 25 الى 50 سنة في سوريا ستشكل دون شك عقبة اساسية في طريق اي تحوّل اساسي في علاقات سوريا السياسية الراهنة.

في النهاية، في ظل التبدل الذي حصل هذا العام في الموقفين السعودي والمصري فإن دعوة سوريا الى قمة الرياض، وتأهيلها بالتالي لتلقي المساعدات المالية والاستثمارات اللازمة لاعادة الاعمار ستتوقف على مدى استعداد النظام السوري لتعديل علاقاته مع ايران من جهة، والقبول باجراء اصلاحات سياسية ودستورية تعيد اللاجئين السوريين مع ضمانة مشاركة المعارضة في السلطة.