IMLebanon

المنطقة بين نار التسويات

أقرّ الكنيست الإسرئيلي الأربعاء 10 أيار 2017، مقترحَ قانون «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»، بغالبية 48 صوتاً ومعارضة 41 صوتاً. ويسعى القانون الجديد الذي قدّمه رئيس «الشاباك» سابقاً في ديختر، ودعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى تحديد أن لا حقّ بتقرير المصير في «إسرائيل» إلّا لليهود.

قرار الكنيست هذا يأتي ضمن سلسلة التسويات التي تشهدها المنطقة نحو تقسيمها وإقامة دويلات تتحكّم بها الطوائف والمذاهب والقوميات. هذا ما يوضح أنّ مصير المنطقة بات بين نار التسويات التي تحمل معها تقاتلاً بين أبنائها تحت عناوين مختلفة إلى سنين ليست بقصيرة.

إنّ وجود الكيان الإسرائيلي المحتلّ لأرض فلسطين والذي تَكرَّس شرعياً من الأمم المتحدة عام 1947، فرض نمطاً جديداً من التسويات بقيادة الإدارة الأميركية الحاضنة الأساسية لها عبر سياساتها في المنطقة، بهدف تثبيت أمن «إسرائيل» وقيام الدولة اليهودية، وتكريس المشروع الأميركي.

عرفت المنطقة العربية منذ اتفاقية «سايكس – بيكو» إلى اليوم، تسويات دولية عمدت الى إضعافها وتقسيمها ونهب خيراتها، وإستغلال طاقاتها، ما جعلت منها أرضاً لا تهدأ لكثرة الغزوات التي حملتها أطماع الدول، بهدف بسط نفوذها على منطقة ذات موقع استراتيجي لا يمكن تجاهله.

بدأ الربيع العربي وحمل معه ثورات عربية، وانهيارات أنظمة أحكمت سيطرتها على شعوبها قروناً من الزمن. هذا ما سمح لأكثر من طرف باستغلال الفوضى المنتشرة في الشارع العربي، لتحقيق الأهداف، عبر إدخال جيوشه في القتال، وإعادة رسم الواقع الجغرافي بما يتناسب مع مصالحه وبسط نفوذه.

حملت الإدارة الأميركية مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يهدف إلى إبطال مفعول إتفاقية «سايكس – بيكو»، خصوصاً وأنّ الراعيَين الأساسيَين لهذه الإتفاقية، الفرنسي والبريطاني قد خرجا من اللعبة السياسية الدولية. والعمل على رسم خريطة جغرافية جديدة للمنطقة تتناسب مع مصالحها المتطوّرة بعد التهديد الكوري الشمالي، وعودة الدبّ الروسي للساحة الدولية، واستيقاظ العملاق الصيني الإقتصادي وربما العسكري في السنين المقبلة.

لم تستطع الأطراف الدولية الداخلة في نزاع المنطقة من فرض واقع جديد على رغم فترة السماح الإرادية التي مُنحت لها، بعد تراجع الدور الأميركي العسكري في حكم الرئيس باراك أوباما، حيث عمل إلى سحب قواته المقاتلة من العراق وأفغانستان. فعلى رغم المحاولات الروسية والتركية والإيرانية لتعبئة الفراغ في المنطقة، إلّا أنّ عودة الجيش الأميركي عسكرياً دفع نحو تسويات جديدة.

تسويات تجلّت، أولًا في رسم حدود الدويلة الكردية، حيث استفزّ قرار الرئيس دونالد ترامب تسليح «وحدات الشعب» الكردي في سوريا، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واعتبره رسالة موجّهة لتركيا حول سياساتها في المنطقة. لذلك سارع أردوغان في إعلان عزمه فتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية بين تركيا وأميركا، قبل زيارة واشنطن منتصف أيار.

ومن جهة ثانية، تجلّت في دفع الروسي إلى لقاء الأميركي وسط الطريق نحو رسم مستقبل سوريا لأنّ التدخل الروسي في المنطقة، لم يقدّم جديداً على رغم مفاوضات أستانة المتكرّرة التي لم تقطف ثمارها بعد. هذا ما تؤكده وكالات أنباء روسية نقلت عن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، قوله «إنّ موسكو مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة بشأن حلّ الأزمة السورية».

إنّ التناقض في الأهداف بين الأفرقاء المتخاصمين يضع المنطقة على نار التسويات التي قد تصل الأمور فيها إلى المزيد من التأزّم. خصوصاً في ظل الحديث عن مناطق آمنة، من المحتمل أن تحمل أكثر من رسالة تقسيمية تحت شعار مذهبي. هذا ما يترجَم في حافلات نقل السُكّان عبر المناطق والدفع بالآخرين إلى النزوح والهجرة، ما يطرح علينا السؤال التالي: ما هي الكلفة التي على المنطقة دفعها لتحقيق التسويات؟

ما هي الكلفة التي على المنطقة دفعها لتحقيق التسويات؟