IMLebanon

لن ينفع ذر رماد الحكومة مع المجتمع الدولي!

 

يبدو أهل السياسة في لبنان وكأنهم يعيشون في كوكب آخر, أو على الأقل في عالم لا علاقة له بالواقع المتردّي الذي يعيشه لبنان, على إيقاع الأزمات السياسية والمالية المتعاقبة, وسوء الإدارة السياسية التي تترنح بسببها مؤسسات الجمهورية!

تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول الأوضاع المالية والاقتصادية المتعثرة في لبنان, والذي تضمن من التحذيرات ما جعل المؤسسات الاقتصادية ترتعد خوفاً على ما تبقى من نبض في شرايين الحركة التجارية, عمد بعض جهابذة السلطة إلى تفسيره والترويج له وكأن الوضع المالي بألف خير, وأن الحركة الاقتصادية قادرة على تجاوز المرحلة الصعبة بأسهل ما يكون, وأن الحل السحري لكل الأزمات والمخاوف منها يكون بتأليف الحكومة العتيدة!

وعلى طريقة دفن الرؤوس في الرمال الباردة, تجاهل أهل الحل والربط في الدولة العلية, المفاصل الأساسية في التقرير الدولي, من ضرورة تخفيض حجم القطاع العام، وتخفيض رواتب موظفي الدولة، وزيادة ضريبة المبيعات TVA,  والعمل على وقف الهدر فوراً, خاصة في قطاع الكهرباء, ووضع خطط جدّية لمكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين, إلى آخر المنظومة الإصلاحية الضرورية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من مخاطر الانهيار في ظل هذه الحالة من التسيّب والفساد والتردّي!

معظم ما تقوم به الطبقة السياسية حالياً, يتعارض, بل يُعاكس نصائح وتوصيات صندوق النقد الدولي! فتخفيض حجم القطاع العام يقابله إمعان غير مسبوق في زيادة عدد العاملين في الدولة, سواء بصيغة مياومين في البداية, أم من خلال «دحش» الأزلام والمحاسيب في الوزارات بصفة مستشارين من ذوي الرواتب العالية.

وعوض تخفيض العجز الأسطوري في كهرباء لبنان, ثمّة مَن يُصرّ، من أهل النفوذ في السلطة، على استقدام البواخر التركية بكلفتها العالية, رغم رفض إدارة المناقصات المتكرر لهذه الصفقة المشبوهة, بل المفضوحة! فضلاً عن التمسّك باستيراد مادة الفيول أويل بكلفتها العالية, وأضرارها البيئية القاتلة, وعدم استبدالها بمادة الغاز, الأقل كلفة والأنظف بيئياً! أما الحديث عن صيانة محطات التوليد وبناء الحديث منها, والمشروع المعطل منذ سنوات بتركيب العدادات الألكترونية, لتحسين الجباية ووقف التعديات, فكل واحد منها يحتاج إلى شرح وتفنيد!

غير أن بيت القصيد يبقى في تباين المفاهيم الاقتصادية الحديثة بين المؤسسات المالية الدولية والمسؤولين اللبنانيين, حيث تمسّك أهل الحكم بصيغة الحكومة الثلاثينية الفضفاضة, وما يترتب عليها من إنفاق ومسؤوليات مالية, تفوق قدرة بلد بحجم لبنان, ويعاني ما يعانيه من عجز مالي, وتعثر اقتصادي, في حين تكتفي بلدان تفوق قدراتها الاقتصادية وتعدادها السكاني والمساحة الجغرافية, الواقع اللبناني عشرات المرات, ولا يزيد حجم وزرائها عن العشرين وزيراً في أحسن الحالات, معظمهم من أهل الخبرة والاختصاصات التكنوقراطية, لا يحتاجون إلى عشرات المستشارين, ولا يسترضون ناخبيهم بالتوظيف العشوائي!

فكيف يمكن للبنان أن يستعيد الثقة الدولية بقدرته على تجاوز صعوباته الاقتصادية الراهنة, من دون أي خطة جدية للإصلاح المالي والإداري, ومن دون أي مؤشر فعلي لمكافحة آفة الفساد التي أكلت الأخضر واليابس من موارد الدولة وخزينتها المستنزفة؟

وهل يكفي إعلان تشكيل حكومة ثلاثينية مترهلة, لإقناع الدول المانحة في مؤتمر «سيدر١» بأن لبنان لبّى الشروط الإصلاحية الأساسية, للبدء بتنفيذ الالتزامات المالية, وقرب تدفق المليارات الموعودة؟

لا شك أن وجود حكومة تتمتع بشرعية دستورية كاملة, أفضل من بقاء حكومة تصريف الأعمال, ولكن طريق الإنقاذ الفعلي يبقى بفتح ملف الإصلاحات على مصراعيه, والبدء فوراً بوقف الهدر ومكافحة الفساد… وإلا لن تنفع عملية ذر رماد الحكومة, هذه المرة, في عيون المجتمع الدولي!