IMLebanon

«رفع السريّة المصرفيّة»: قراءات سياسية وقانونية

 

 

لطالما اعتبر نظامنا المصرفي كـ«سيف ذو حدّين» حيث ساهمت السرية المصرفية في جذب رؤوس الأموال المحليّة منها كما الأجنبية، وشجّعت على الاستثمار، ووفّرت الثقة بالمصارف، إلّا أنها في الوقت عينه شكّلت غطاءً لعمليات تبييض الأموال والتهرب الضريبي.

رفع الشارع اللبناني صوته عالياً في وجه النظام السائد مع بداية الانتفاضة في «17 تشرين» الأول 2019، ووحّد مطلب «رفع السريّة المصرفية» الشعارات في الساحات.

 

تلقّفت حكومة دياب أمس الأوّل مطلب الشارع، وسارعت الى إصدار القرار القاضي «برفع السرية المصرفية عن كل من يتولى مسؤولية عامة بالانتخاب او بالتعيين، وعن كل من يتحمل مسؤولية تنفيذية او رقابية في المصارف والصناديق والمجالس على انواعها والجمعيات السياسية وغير السياسية ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية، وكل من تتعاقد معه الدولة لتنفيذ التعهدات».

 

خطوة جاءت كتنفيس لاحتقان الشارع وكامتحان أول للحكومة بوجه «طبقة الفاسدين» التي تختبىء خلف تلك السرية وتقوم بعمليات مشبوهة من دون اي حسيب او رقيب… وأمام هذه الاندفاعة الحكومية هل ستبادر الكتل النيابية الى تأمين الغطاء التشريعي وتلاقي الحكومة إلى منتصف الطريق، وتأخذ بيدها «كرة النار» المصرفية، وتصوّت على مشروع القانون الذي أعدّه النائب ميشال ضاهر والذي أدخلت عليه الحكومة بعض التعديلات؟

 

تَموضع الكتل

 

سبق لكتلة «الوفاء للمقاومة» أن أيّدت اقتراحات رفع السرية المصرفية عن العاملين في القطاع العام، وهذا ما أكّده السيد حسن نصرالله مراراً في خطاباته. وعن القانون الذي أحالته الحكومة الحالية، يوضِح النائب حسن فضل الله أنّهم «يؤيّدون مشروع القانون في المبدأ لكنّه بحاجة الى نقاش ودراسة في اللجان النيابية كي يبنى على الشيء مقتضاه».

 

في حين لفت عضو كتلة «المستقبل» النائب نزيه نجم الى أنّ «مشروع القانون ليس بجديد. فالقانون موجود في الأساس، ولجنة الرقابة على المصارف موجودة برئاسة سمير حمود، وما أقرّته الحكومة هو «تمثيلية» لا أكثر ولا أقل».

 

من جانبه، لفتَ عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب فادي علامة إلى أنّ «هذا القرار هو مطلب الكتل النيابية كافة، كونه يدخل ضمن إطار سلّة الإصلاحات المطلوبة داخلياً وخارجياً لإعطاء إشارة بأننا على طريق الإصلاح».

 

وعن حسم قرار التصويت لصالح مشروع القانون لدى تحويله الى المجلس النيابي، لفت علامة الى أنّ كتلة «أمل» ستحدد خيارها بعد الإطلاع على القانون ودراسته.

 

أمّا عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عقيص، فأوضح أنّ «هذا القانون ثلاثي الأبعاد، فالبعد الأوّل شعبوي: لإظهار أنّ تعاطي الحكومة والمجلس النيابي جدي في موضوع الإصلاحات، ويحقق مكاسب ونقاطاً للحكومة والمجلس معاً لاستمالة الرأي العام المحلي والدول المانحة والمجتمع الدولي. أمّا البعد الثاني فهو قانوني: إذ يجب دراسة تجربة السرية المصرفية التي شكلت أحد أعمدة اقتصادنا من قبل أخصائيين بعيدين كلّ البعد عن الأحزاب وغاياتها لتحديد حسناتها من سيئاتها ولكي يُبنى على الشيء مقتضاه.

 

والبعد الثالث والأهم هو سياسي دستوري، وفي الاطار يسأل عقيص: «هل نحن نسعى الى تغيير هويتنا ونظامنا والتحوّل الى نظام أقل ليبرالية من الحالي وما مخاطر ذلك»؟ مع العلم أنّ ليبرالية نظامنا منصوص عنها في الدستور وهي إحدى مقوّماته بحسب ما اتّفِق عليه في نظام الطائف»، مؤكّداً أنه «سيظهر ذلك من خلال دراسة القانون في اللجان والى أي مدى نحن قادرين على التضحية بالسرية المصرفية لأجل مكافحة الفساد».

 

ولفت عقيص الى أنّ «القوات لن تتصرف بشعبوية في هذا الموضوع، ولذلك لم تقدّم أيّ اقتراح قانون اعتباطي في هذا المجال كما فعلت بعض الأطرف الأخرى، لافتاً الى انّ «هذا الموضوع سيخضع لدراسة مالية معمّقة من قبل أخصائيين حياديين، وسيكون لنا رأي مناسب يوائِم مطلب مكافحة الفساد وعدم إخفاء أي ثروات ناتجة عن الفساد من جهة، ومصلحة الإقتصادي المالي من جهة أخرى».

 

من الناحية القانونيّة

 

أمّا من الناحية القانونية، فقد أوضح الخبير الدستوري رئيس مؤسسة «جوستيسيا» بول مرقص أنّ «قانون السريّة المصرفية يتضمن استثناء وهو «الإثراء غير المشروع»، الا أنّ هذا الإستثناء لم يطبّق».

 

أضف إلى ذلك، يقول مرقص، إنّ «القانون الجديد 44 / 2015 لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، يعطي هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال صلاحيات واسعة تمكّنها من الاطلاع على أي حساب تريد وتجميده ورفع السرية المصرفية عنه».

 

ورأى مرقص أننا «لسنا بحاجة الى مزيد من القوانين، إنّما نحن بحاجة الى تطبيق القوانين الموجودة وتطويرها، فالعقبة الاساسية ليست بعدم وجود قوانين إنّما بعدم تفعيلها خصوصاً تلك المتعلّقة بقضايا الإثراء غير المشروع، وسوء استعمال السلطة، والفساد، وصرف النفوذ»…

 

إنطلاقاً من هذا، يعتبر مرقص أنّ «مشروع القانون الذي أقّره مجلس الوزراء، جاء لزوم ما لا يلزم، ومن دون معايير، وجَعل كل من يؤدّي خدمة عامة أو خدمة إعلامية مكشوفاً تجاه الآخر، وتجاه «حشرية» الجمهور من دون معايير وبشكل مطلق، ويضع كل من يتعاطى الشأن العام أو الوظيفة العامة تحت الشبهة، وهذا أمر مرفوض».

 

وعن مساوئ هذا القانون أيضاً، لفت مرقص إلى أنّ «خسارة لبنان هذا الامتياز، بعد خسارته امتياز قطاعي التعليم والصحّة، لن يمكّنه من إعادة جذب الاستثمارات عندما يعود الوضع الاقتصادي الى طبيعته». ويذكّر في السياق بالقوانين والاتفاقات الدولية التي من شأنها ان تسمح للبنان بتعقّب الاموال المهرّبة الى الخارج.

 

وعمّا اذا كانت خطوة الحكومة مطلوبة دولياً، أكّد مرقص أنّ «المطلوب دولياً واضح: إصلاحات فعلية بنيوية وقطاعية، فالدول لا تتدخّل بقوانيننا، إنما تبقى العبرة في إجراء اصلاحات وفي وقف الفساد».

 

وفي الإطار، أبدى بعض المراقبين تساؤلات عدة عن سبب تحديد الفترة الزمنية لمشروع القانون من العام 1991 والشكوك المتعلقة بشموليته، خصوصاً أنّ هذا التاريخ يحمل دلالات سياسية قد تطرح علامات استفهام عدة حول صدقيته.