IMLebanon

أي هدف للهجمة الديبلوماسية العربية ـ الغربية؟

 

اذا تمّ تحييد الاستحقاق الحكومي عن العوامل الاقليمية والدولية المؤثرة فيه سلباً او ايجاباً، فإنّ التعقيدات الداخلية التي تواجهه تتفاقم وتمعن في تعطيله، بفعل الخلاف الدائر بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، على حدود صلاحيات كل منهما في تأليف الحكومة، وهو خلاف يستبطن محاولات متبادلة لابتداع أعراف في هذا المضمار، لا بدّ ان تنال من «اتفاق الطائف» والدستور الذي انبثق منه.

 

ربما يكون رئيس الجمهورية أراد حرف الأنظار عن هذا الخلاف، بالذهاب الى تغليب العوامل الاقليمية والدولية على الاستحقاق الحكومي، حيث استدعى السفيرة الفرنسية آن غريو وسفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري، موحياً وكأنّ «كلمة السرّ» لتأليف الحكومة التي «ينام» عليها الحريري هي بين يدي باريس والرياض. لكن يبدو انّ لقاءيه مع هذين السفيرين لم يأتيا اليه «بالخبر اليقين». فالسفيرة الفرنسية قرأت عليه فعل المبادرة الفرنسية، فيما السفير السعودي قرأ عليه فعل موقف الرياض التقليدي الداعم للبنان، والمشجع على تأليف الحكومة القادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني، والرافض التدخّل في الشؤون الداخلية، إلتزاماً بالسياسة الخارجية السعودية بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول. وربما يكون عون سأل السفيرين الفرنسي والسعودي عن موقف بلديهما من تكليف الحريري، وقد يكون تبلّغ الموقف الفرنسي الذي يُشاع انّه يؤيّد الحريري، والموقف السعودي المشجّع على تأليف الحكومة مجرّداً من اي تفاصيل.

 

لكن اللافت، كان استقبال السفير السعودي في اليوم التالي لزيارته عون كلاً من السفيرة الفرنسية والسفيرة الاميركية دوروثي شيا، وكذلك استقباله السفير الكويتي عبد العال القناعي، الذي كان التقى الحريري قبل ساعات من لقائه مع عون، علماً انّ السفيرة الاميركية كانت زارت في اليوم نفسه رئيس الجمهورية، وحضّت من على منبر القصر الجمهوري على تأليف الحكومة، وذلك بالتزامن مع استقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري السفيرة الفرنسية بناءً على طلبها.

 

هذه «الهجمة» الديبلوماسية العربية ـ الغربية التي توحي وكأنّ «كلمة سر» او «أمر عمليات» ما عربي ـ غربي صدر، ويستعجل تأليف الحكومة بعد إنقضاء اكثر من خمسة اشهر على تكليف الحريري، وأنّ هذا الامر ينتظر الترجمة عبر القنوات الدستورية اللبنانية التي لا تزال معطّلة بفعل الخلافات القائمة بين المعنيين، وتحديداً بين رئيس الجمهورية وخلفه «التيار الوطني الحر» من جهة والرئيس المكلّف ومؤيّديه من جهة أخرى. فرئيس الجمهورية مستمر في المبالغة في تفسير صلاحياته في مجال تأليف الحكومة على حساب صلاحيات الرئيس المكلّف، الذي يعود له الدور الاساس في إعداد التشكيلة الوزارية بوزرائها وحقائبها، وما الجدول الذي أرسله اليه قبل 48 ساعة على لقاء «الاثنين العاصف» بينهما، متضمناً تشكيل حكومة بالحقائب وطوائف من سيتولونها، طالباً منه ان يُسقط الاسماء عليها، إلّا الدليل على أنّه يعطي لنفسه صلاحية واسعة إنطلاقاً من عبارة «بالاتفاق» التي تنص عليها الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور، التي تقول انّ رئيس الجمهورية «يُصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم».

 

فعون يفسّر عبارة «بالاتفاق» انّها تعطيه صلاحية الشراكة الكبرى مع الرئيس المكلّف في تأليف الحكومة، ما ينسف ما قضى به «اتفاق الطائف» أو تجعله كأنّه لم يكن لجهة هذا الامر. فعندما نقل «الطائف» صلاحية تأليف الحكومة من يد رئيس الجمهورية الى الرئيس المكلّف، انما كان بسبب نقل السلطة التنفيذية من يد رئيس الجمهورية الذي كان يتولاها بمعاونة وزراء يختار من بينهم رئيساً، الى مجلس الوزراء مجتمعاً، ما أعطى الرئيس المكلّف الاولوية في التأليف، وجعل دور رئيس الجمهورية حَكَمياً فيه قبل إصدار المراسيم، وذلك من حيث إبداء الرأي في التشكيلة الوزارية من موقع الحَكَم لما فيه مصلحة البلاد، وليس من موقع الطرف او صاحب الحصّة في هذه التشكيلة. فإذا كان رئيس الجمهورية سيصبح شريكاً لا حَكَما في السلطة التنفيذية، فمعنى ذلك انّ لا لزوم لما قضى به «اتفاق الطائف» والدستور في هذا المجال.

 

ولكن في المقابل، ومثلما يغالي رئيس الجمهورية في صلاحيته التأليفية ـ الحكومية، إذا جاز التعبير، فإنّ الرئيس المكلّف يغالي هو ايضاً في تفسير صلاحيته في التأليف، من خلال التفرّد بها، فيما عليه مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني عند اختيار وزراء حكومته والحقائب التي يسندها اليهم. ومقتضيات الوفاق هذه، تفرض ان يكون لكل المكونات الطائفية والسياسية تمثليها في التشكيلة الوزارية وفق المعايير الواقعية، لا أن يتفرّد باختيار وزراء لا يحظون بدعم القوى السياسية والطوائف التي ينتمون اليها. ولعلّ ما دلّ الى مغالاة الحريري في صلاحياته، التشكيلة الوزارية التي كان سلّمها الى رئيس الجمهورية في كانون الاول الماضي، والتي كشف عنها إثر لقاء الاثنين الاخير، حيث تبيّن انّ الأسماء بعضها «حزبي مغفّل»، يتناقض مع شعار حكومة الإختصاصيين غير الحزبيين. كذلك جاءت توزيعة الحقائب على اسماء التشكيلة مخالفة لمبدأ وزراء الاختصاص (التكنوقراط)، بدليل إسناد وزارة الزراعة الى وزير الخارجية في الوقت نفسه، فضلاً عن اسماء أُسندت اليها حقائب ليست من اختصاصها.

 

لكن بعض السياسيين يعطون اسباباً تخفيفية للحريري ازاء تشكيلته هذه، ويقول، انّه قدّم هذه التشكيلة لرئيس الجمهورية كصيغة للبحث وليست نهائية، وإنّ رئيس الجمهورية لم يبد ملاحظاته عليها، رغم انّ الحريري الحّ عليه في ذلك ويناقشه فيها، ما جعله في نهاية الامر يعلن عنها، رامياً الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، ومحمّلاً إيّاه مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة نتيجة إصراره ومن خلفه «التيار الوطني الحر» على الاستحواذ على الثلث المعطّل.

 

في أي حال، فإنّ الملف الحكومي، وفي ضوء لقاء الاثنين وما حصل قبله ويحصل بعده من حراك ديبلوماسي وسياسي، سيبقى مفتوحاً ويبعث على الاعتقاد بأنّ الحكومة ستولد قريباً، خلافاً لتشاؤم الكثيرين الذين يذهب بعضهم الى الحديث عن تأخّر إنجاز الاستحقاق الحكومي حتى ما بعد الصيف. فالحراك الديبلوماسي الجاري حالياً إنما يعكس وصول المجتمعين العربي والدولي الى اقتناع، بأنّ مسيرة انهيار لبنان بلغت مستوى خطيراً، بات ينبغي لجمها، لأنّ الجميع متفقون على حدود اللعبة التي تسير فيها اوضاع لبنان، وهي ان لا يبلغ لبنان الانهيار الشامل، لئلا تتضرّر مصالح الجميع في الداخل والخارج، سواءً كانوا مسهّلين للتأليف او معطّلين له.