IMLebanon

التحولات المحلية الخاطئة بفعل مواعيد الحرب الإسرائيلية المؤجلة على حزب الله

 

فجوات التفاوض والحوار تطغى على الصراخ.. وتل أبيب تستحسن تجنّب الحريق

 

 

بات المسؤولون الاسرائيليون على قناعة بأن الحرب التالية مع «حزب الله» ستحدث خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية قبل ان تتمكن من امتصاص ذلك

مرّ استحقاقا الانتخابات الإسرائيلية (9 نيسان) وتصفير تصدير النفط الإيراني (5 أيار)، من غير أن يتحقق ما جرى توقعه تكرارا من حرب إسرائيلية على لبنان، قيل أولا انها ستشكل رافعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في مواجهة خصومه، ومن ثم قيل انها ستكون رد فعل إيراني على الحصار الأميركي المفروض على طهران.

 

لا يخفى ان مواعيد لبنانية ضُربت لهذه الحرب، فيما كان مسؤولون في بيروت يجزمون بوقوعها في ربيع 2019، خطّوا على أساسها تحولات دراماتيكية صاغوا دقائقها وخاضوا فيها، وبنوا إستراتيجيات وآليات لما بعد الحرب.

 

يكاد الربيع ينصرف من غير أن تَبانَ مؤشرات حرب قريبة أو بعيدة، ربطا بأمور كثيرة، منها توازن الردع والقصور الإسرائيلي عن الدخول في مغامرة عسكرية، ما خلا العمليات الموضعية في قطاع غزة، الى جانب الموقف الأميركي المتمسّك بالحد الأدنى من الاستقرار اللبناني، والساعي في الوقت نفسه الى استمرار حروبه الناعمة (الخنق والعصر والتجفيف وما شابه من مفردات) على إيران وأذرعها.

 

في الواقع، رسمت حرب تموز 2006، حدودا جديدة في المنطقة، في ضوئها انصرف كل من حزب الله واسرائيل الى الاستعداد للجولة التالية. استقدم حزب الله أسلحة إيرانية إلى لبنان عبر سوريا بغية تثبيت توازن الإستراتيجي لا العسكري، ويستند إلى الردع المتبادل. وكانت إسرائيل تعترض عمليات نقل السلاح على نحو متقطع فقط خشية إثارة التصعيد. وهي كانت تنزع إلى التردد قبل أن تضرب قافلة ما حتى لو ظهر لها انها تنقل ما اصطلح على تسميته إسرائيليا أسلحة كاسرة (صواريخ دقيقة التصويب بعيدة المدى). لكن مع دخول حزب الله الحرب في سوريا، بدأت إسرائيل شن ضربات أكثر شدة لمنعه من استخدام ضباب الحرب كي يحجب حصوله على أسلحة من شأنها أن «تغير اللعبة»، في موازاة عملها على منع إنشاء بنية تحتية هجومية شرق الجولان، سواء من مقاتلي حزب الله ووكلاء إيران، أو من جهات مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش. وخشيت إسرائيل ان يؤدي أي خرق في هذا السياق الى أن تعزز إيران وشركائها مواقعها بمحاذاة خط الهدنة، ما يتيح لها فتح جبهة جديدة، يكون المدنيون اللبنانيون فيها (خصوصا جمهور حزب الله) بعيدين من خط النار، بما يتيح للحزب تحديدا تحييد لبنان عن أي ذريعة إسرائيلية لشن حرب شاملة.

 

في الموازاة، بات في وسع الحزب من خلال قتاله في سوريا الوصول بشكل أسهل إلى مخازن السلاح القادر على تغيير اللعبة. وقد تخلت إسرائيل إلى حد كبير عن اعتراض الصواريخ بعيدة المدى، التي بات لدى حزب الله الكثير منها، وتحولت إلى منعه من الحصول على السلاح الدقيق الذي يمكّنه من استهداف المواقع الاكثر حساسية في إسرائيل، مثل القلب المركزي لتل أبيب، ومطار بن غوريون ومنشآت استخراج وإنتاج الغاز. وبات المسؤولون الإسرائيليون على قناعة بأن الحرب التالية مع الحزب ستحدث خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية.

 

وينقل ديبلوماسي غربي زار بيروت عن مسؤول إسرائيلي أن «حزب الله سينتصر في تبادل للضربات. سيقصف مدنيين، وسيسجل نقاطا بسبب مقاومته لإسرائيل بينما سنكون مقيدين بضرب مقاتلين يمكن استبدالهم بسهولة. ليس من الواضح إلى متى سنتمكن من امتصاص هذا (الأمر) قبل أن يترتب علينا الرد على نطاق أوسع. وقبل أن يتاح لنا الوقت للتفكير، سندرس تدفيع الثمن مباشرة لبيروت أو دمشق أو طهران، وهو حريق يستحسن أن نتجنبه».

 

وشكّل مجمل هذا الواقع عاملا مناقضا للحرب، بدليل فجوات التفاوض والحوار والنقاش في أكثر من عاصمة عربية وغربية، وصولا الى الولايات المتحدة نفسها، حيث لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف أكثر من موطئ قدم بتسهيل من اللوبي الإيراني، ولرغبة أميركية رسمية بعدم إقفال باب الحوار مع طهران، كتثمير مباشر للحصار المفروض عليها.

 

ويظهر مرة جديدة أن رهانات محلية على تطورات آتية من خارج الحدود ثبّت فشلها، إذ صيغت سياسات وتحولات وتغيّرات في التوجهات السياسية لقوى عدة، بُنيت على تلك التطورات، وليس من الواضح إن كانت هذه القوى تحديدا ستعيد ضبط حساباتها من جديد، مع بروز تشدد واضح لدى من جرى الرهان على استهدافه إسرائيلياً.