IMLebanon

اليورو وتحقيق التكافؤ مع الدولار

ما زال اليورو يواصل تراجعه مقابل الدولار ولا توجد أيّ اشارة إلى أنّ ذلك سيتوقف في المستقبل القريب. لذلك نرى أنّ التكهنات التي حصلت خلال الاشهر القليلة الأخيرة جاءت مخالفة لما يحدث حالياً كونهم أشاروا إلى أنّ هذا التكافؤ سوف يحدث في العام 2016.

يبدو انّ الامور تسير بشكل سريع نحو حصول تكافؤ بين اليورو والدولار، وهذا ما تشير اليه المؤشرات الاقتصادية، إن كان من ناحية التيسير الكمي الذي تمضي فيه اوروبا أم من ناحية إمكانية ارتفاع اسعار الفوائد في أميركا ما يعني تدفق الأموال الى الولايات المتحدة الاميركية.

وهناك مستثمرون سوف يبيعون سنداتهم الى المركزي الاوروبي سيلجأون الى أميركا كمكان آمن لاستثماراتهم. لذلك قد يأتي هذا التكافؤ في وقت قريب جداً ما يدلّ أنّ التوقعات لم تأتِ كما ارادها الاقتصاديون بل فاجأت الجميع كون هذا الانخفاض كبيراً جداً.

واذا كانت توقعات Barclays بأنّ اليورو سوف يضعف حتى يصل الى 1.08 في نهاية حزيران جاءت مغالِطة للواقع ومخيّبة للآمال كون اليورو هو 1.08 وفي حزيران سوف يحصل التكافؤ لا محال إلّا إذا حصل هذا التكافؤ قبل نهاية هذا الشهر. ولا شك انّ الامور الاقتصادية كلها تشير الى سرعة الوتيرة التي يتراجع فيها اليورو مقابل الدولار.

وسرعة سقوط اليورو فاجأت محللين وباحثين استراتيجيين متعدّدين ما اضطرهم مراراً وتكراراً الى خفض توقعاتهم وللعلم فإنّ معظم المحللين في المصارف العالمية الكبرى مثل JP Morgan Chase وGoldman Sachs جاءت تحاليلهم مخالفة لما يحصل اليوم وما كان منتظراً للعام 2016 أصبح واقعاً اليوم والعناصر التي تساعد على ذلك واضحة قد يكون أهمها المؤشرات الاقتصادية الواردة من الولايات المتحدة الاميركية والتي تشير الى زيادة النمو وفرص العمل وامكانية رفع اسعار الفوائد ما يتيح فرص تعزيز الدولار مقابل اليورو.

ومن المؤكد أنّ ضعف اليورو مقابل الدولار قد يحلّ بعض المسائل في اوروبا وعلى سبيل المثال السلع في منطقة اليورو سوف تكون اقل كلفة على المشترين من الخارج وزيادة الطلب على منتجاتهم اضافة الى طفرة في سياحة الاجانب الذين سوف يستفيدون من هذا التراجع بشكل ملحوظ.

والصناعات على اختلافها تدخل في هذه الفئة ومن بينهم خصوصاً صانعو السيارات مثل BMW وفولسفكن والتي تصدّر نسبة كبيرة من انتاجها الى الولايات المتحدة الاميركية.

وانخفاض اليورو قد يكون مسبّب الاختلاف في الاداء الاقتصادي بين دول منطقة اليورو والولايات المتحدة حيث إنّ منطقة اليورو ما زالت ترزح تحت وطأة الأزمة المالية العالمية التي حدثت في العام 2008 ولا توجد ايّ بوادر لتعافٍ قريب منها وفي الولايات المتحدة التي نراها تزداد قوة مع اقتصاد يتعافى بشكل سريع ومؤشرات اقل ما تدلّ عليه انّ الازمة المالية اصبحت وراءهم.

وللعلم فإنّ تحرّكات العملات هي أساساً من أعمال المصارف المركزية. وفي حين انّ البنك المركزي الاوروبي ما زال يخفّض اسعار فوائده ويتحضّر لعملية التحفيز نرى انّ مجلس الاحتياطي الفدرالي يفعل العكس ويستعدّ لرفع اسعار الفوائد بعد أن أنهى ومنذ فترة عملية التسيير الكمي هذه. وقد ساعد في ذلك زيادة التوقعات بأنّ الاحتياطي الفيديرالي سيبدأ برفع اسعار الفائدة قريباً في حزيران ما اثار موجة من شراء الدولار.

لذلك وبناءً على ما يجري وما هو متوقَع يبدو انّ عملية التكافؤ سائرة بشكلٍ سريع كون موجة شراء الدولار لن تقتصر على المستثمرين العالميين انما ستشمل المصارف ايضاً التي كما سبق وذكرنا سوف تبيع سنداتها الى المركزي الاوروبي ما يعني وبالمطلق ضغوط جديدة سوف تؤدي الى تراجع متزايد في سعر صرف اليورو امام الدولار الأميركي. لذلك لم تعد عملية التكافؤ كما يراها الاستراتيجيون والمحللون الاقتصاديون بعيدة المنال إنما نراها ونتيجة عمليات التحفيز ومؤشرات اقتصادية اميركية جاءت جيدة للغاية قضية وقت قصير تسابق مع نظرة المحللين لهذه الامور.

واذا كانت الامور الاقتصادية داعمة وبسرعة لعملية التكافؤ هذه نرى انّ الامور السياسية تزيد من فرص هذا التكافؤ إن كان على المدى القصير مع قضية اليونان وديونها أم على المدى المتوسط مع انتخابات اوروبية قادمة لاسيما في اسبانيا حيث نموّ اليسار المتطرف والذي يبدو انه يعارض افكار اوروبا – المانيا الانكماشية- هكذا نرى انّ الأمور وفي شقيها الاقتصادي البحت والسياسي الحالي والمحتَمَل تشير في الغالب الى انّ هذا التكافؤ اصبح قضية ايام لا اشهر والسرعة التي يتراجع فيها اليورو امام الدولار الاميركي تدل على انّ المستثمرين العالميين باتوا في حيرة من امرهم ولا سيما انّ آراء المحللين الاقتصاديين والاستراتيجيين كانت اكثر تفاؤلاً مما هو الوضع الحالي.

لذلك المفاجآت الاقتصادية الاوروبية التي جاءت ومنذ اكثر من سنة عكس توقعات المركزي الاوروبي والمؤشرات الاميركية والتي جاءت احسن بكثير حتى من توقعات الفيديرالي الاميركي تساهم الى حدّ كبير في تسريع عملية التكافؤ هذه لأنه ولو كان العكس صحيحاً لكانت اصبحت توقعات المحللين بأنّ التكافؤ لن يحصل قبل سنة من الآن. لذلك قد يعود اليورو وسريعاً الى ما كان عليه في تشرين الثاني من العام 2002 وقد لا يكون مستغرباً والامور تسير بهذا الشكل المتسارع أن يصل الى مستويات عام 1999 حيث تمّ تبادل اليورو ومقابل الدولار بنسبة 84 سنتاً.

لذلك وللذي يتابع الامور الاوروبية بشكلٍ جدّي ومتواصل يرى انّ النسب التي وصل اليها اليورو في العام 2014 حيث اصبح يساوي 1.30 مقابل الدولار، هي نسب خيالية غير مبنية على واقع بل إنها جاءت فقط نتيجة سياسة اقتصادية غير واقعية اتبعها المركزي الاوروبي متلكئاً دائماً في خياراته، متفائلاً في امكانية العودة الى الوراء وظهور عمليات انفراج ان كان من ناحية النمو أم من ناحية تدنّي الاسعار.

لذلك سوف يكون تسارع الاقتصاد الاميركي مقابل منطقة اليورو التي ما زالت تترنح في الانكماش وتباطؤ النمو قد يزيد الحديث عن مستويات اقل لليورو مقابل الدولار. وهذا الحديث يأتي ولا شك على خلفية اسعار فوائد متدنية جداً في اوروبا وعوائد سلبية للسنوات الالمانية خلال خمس سنوات.

لذلك ما كان يصعب تصديقه حتى قبل اسابيع قليلة، اصبح واقعاً اليوم مع تسارع رهيب في نسب التراجع هذا امام تحسن ملحوظ في المؤشرات الاميركية ما يعني في النهاية أنّ الكثير يعتمد على ما يحدث في الولايات المتحدة الاميركية، والحلم بولايات متحدة اوروبية تحوّل في الواقع كابوساً ويعني أنّ حتى المانيا اصبحت مهدَدة بانهيار اليورو امام الدولار، ام متى سوف يحصل ذلك فكله يتوقف على امكانية اوروبا استعادة زمام امور وضعيها الاقتصادي والسياسي والتي على ما يبدو بعيدة المنال في الوقت الحالي و يبدو التكافؤ مسألة أيام من دون أدنى شك.